القول في تأويل قوله تعالى : (
إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ( 27 )
ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر ( 28 ) )
يقول - تعالى ذكره - : إنا باعثوا
الناقة التي سألتها ثمود صالحا من الهضبة التي سألوه بعثتها منها آية لهم ، وحجة
لصالح على حقيقة نبوته وصدق قوله .
وقوله ( فتنة لهم ) يقول : ابتلاء لهم واختبارا ، هل يؤمنون بالله ويتبعون صالحا ويصدقونه بما دعاهم إليه من توحيد الله إذا أرسل الناقة ، أم يكذبونه ويكفرون بالله؟
وقوله ( فارتقبهم ) يقول - تعالى ذكره -
لصالح : إنا مرسلو الناقة فتنة لهم ، فانتظرهم ، وتبصر ما هم صانعوه بها ( واصطبر ) يقول له : واصطبر على ارتقابهم ولا تعجل ، وانتظر ما يصنعون بناقة الله وقيل : ( واصطبر ) وأصل الطاء تاء ، فجعلت طاء ، وإنما هو افتعل من الصبر .
[ ص: 592 ]
وقوله (
ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ) يقول - تعالى ذكره - : نبئهم : أخبرهم أن الماء قسمة بينهم ، يوم غب الناقة ، وذلك أنها كانت ترد الماء يوما ، وتغب يوما ، فقال جل ثناؤه
لصالح : أخبر قومك من ثمود أن الماء يوم غب الناقة قسمة بينهم ، فكانوا يقتسمون ذلك يوم غبها ، فيشربون منه ذلك اليوم ، ويتزودون فيه منه ليوم ورودها .
وقد وجه تأويل ذلك قوم إلى أن الماء قسمة بينهم وبين الناقة يوما لهم ويوما لها ، وأنه إنما قيل بينهم ، والمعنى : ما ذكرت عندهم ، لأن العرب إذا أرادت الخبر عن فعل جماعة بني آدم مختلطا بهم البهائم ، جعلوا الفعل خارجا مخرج فعل جماعة بني آدم ، لتغليبهم فعل بني آدم على فعل البهائم .
وقوله (
كل شرب محتضر ) يقول - تعالى ذكره - : كل شرب من ماء يوم غب الناقة ، ومن لبن يوم ورودها محتضر يحتضرونه .
كما حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله (
كل شرب محتضر ) قال : يحضرون بهم الماء إذا غابت ، واذا جاءت حضروا اللبن .
حدثني
الحارث قال : ثنا
الحسين قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله (
كل شرب محتضر ) قال : يحضرون بهم الماء إذا غابت ، وإذا جاءت حضروا اللبن .