القول في تأويل قوله تعالى : (
ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر ( 36 )
ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر ( 37 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ولقد
أنذر لوط قومه بطشتنا التي بطشناها قبل ذلك (
فتماروا بالنذر ) يقول : فكذبوا بإنذاره ما أنذرهم من ذلك شكا منهم فيه .
وقوله ( فتماروا ) تفاعلوا من المرية .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
فتماروا بالنذر ) لم يصدقوه ، وقوله (
ولقد راودوه عن ضيفه ) يقول جل ثناؤه : ولقد
[ ص: 597 ] راود
لوطا قومه عن ضيفه الذين نزلوا به حين أراد الله إهلاكهم (
فطمسنا أعينهم ) يقول : فطمسنا على أعينهم حتى صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شق ، فلم يبصروا ضيفه . والعرب تقول : قد طمست الريح الأعلام : إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب . كما قال
كعب بن زهير :
من كل نضاخة الذفرى إذا اعترقت عرضتها طامس الأعلام مجهول
يعني بقوله : طامس الأعلام : مندفن الأعلام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله (
ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ) قال : عمى الله عليهم الملائكة حين دخلوا على
لوط .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله (
ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ) وذكر لنا أن
جبريل - عليه السلام - استأذن ربه في عقوبتهم ليلة أتوا
لوطا ، وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه ، فصفقهم بجناحه ، وتركهم عميا يترددون .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قول الله (
ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ) قال : هؤلاء
قوم لوط حين راودوه عن ضيفه ، طمس الله أعينهم ، فكان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون ، فقالوا : إنا لا نترك عملنا فإياك أن تنزل أحدا أو تضيفه ، أو تدعه ينزل عليك ، فإنا لا نتركه ولا نترك عملنا . قال : فلما جاءه المرسلون ، خرجت امرأته الشقية من الشق ، فأتتهم فدعتهم ، وقالت لهم : تعالوا فإنه قد جاء قوم
[ ص: 598 ] لم أر قط أحسن وجوها منهم ، ولا أحسن ثيابا ، ولا أطيب أرواحا منهم ، قال : فجاءوه يهرعون إليه ، فقال : إن هؤلاء ضيفي ، فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي ، قالوا : أولم ننهك عن العالمين ؟ أليس قد تقدمنا إليك وأعذرنا فيما بيننا وبينك ؟ قال : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فقال له
جبريل - عليه السلام - : ما يهولك من هؤلاء ؟ قال : أما ترى ما يريدون ؟ فقال : إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ، لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك ، لتصنعن هذا الأمر سرا ، وليكونن فيه بلاء . قال : فنشر
جبريل - عليه السلام - جناحا من أجنحته ، فاختلس به أبصارهم ، فطمس أعينهم ، فجعلوا يجول بعضهم في بعض ، فذلك قول الله (
فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر ) .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله (
ولقد راودوه عن ضيفه ) جاءت الملائكة في صور الرجال ، وكذلك كانت تجيء ، فرآهم
قوم لوط حين دخلوا القرية . وقيل : إنهم نزلوا
بلوط ، فأقبلوا إليهم يريدونهم ، فتلقاهم
لوط يناشدهم الله أن لا يخزوه في ضيفه ، فأبوا عليه وجاءوا ليدخلوا عليه ، فقالت الرسل
للوط خل بينهم وبين الدخول ، فإنا رسل ربك ، لن يصلوا إليك ، فدخلوا البيت ، وطمس الله على أبصارهم ، فلم يروهم . وقالوا : قد رأيناهم حين دخلوا البيت ، فأين ذهبوا ؟ فلم يروهم ورجعوا .
وقوله (
فذوقوا عذابي ونذر ) يقول - تعالى ذكره - : فذوقوا معشر
قوم لوط من سدوم ، عذابي الذي حل بكم ، وإنذاري الذي أنذرت به غيركم من الأمم من النكال والمثلات .