[ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في
تأويل قوله تعالى : ( الرحمن ( 1 )
علم القرآن ( 2 )
خلق الإنسان ( 3 )
علمه البيان ( 1 )
الشمس والقمر بحسبان ( 5 ) )
يقول - تعالى ذكره - : الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن . فأنعم بذلك عليكم ، إذ بصركم به ما فيه رضا ربكم ، وعرفكم ما فيه سخطه ؛ لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم ، وعملكم بما أمركم به ، وبتجنبكم ما يسخطه عليكم ، فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه ، وتنجوا من أليم عقابه .
وروي عن
قتادة في ذلك ما حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
محمد بن مروان العقيلي قال : ثنا
أبو العوام العجلي ، عن
قتادة أنه قال : في تفسير (
الرحمن علم القرآن ) قال : نعمة - والله - عظيمة .
وقوله : (
خلق الإنسان ) يقول - تعالى ذكره - : خلق
آدم وهو الإنسان في قول بعضهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة في قوله : (
خلق الإنسان ) قال : الإنسان
آدم . حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
خلق الإنسان ) قال الإنسان :
آدم - صلى الله عليه وسلم - .
وقال آخرون : بل عنى بذلك الناس جميعا ، وإنما وحد في اللفظ لأدائه
[ ص: 8 ] عن جنسه ، كما قيل : (
إن الإنسان لفي خسر ) . والقولان كلاهما غير بعيدين من الصواب لاحتمال ظاهر الكلام إياهما .
وقوله : (
علمه البيان ) يقول - تعالى ذكره - : علم الإنسان البيان .
ثم اختلف أهل التأويل في المعني بالبيان في هذا الموضع . فقال بعضهم : عنى به بيان الحلال والحرام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
علمه البيان ) : علمه الله بيان الدنيا والآخرة بين حلاله وحرامه ؛ ليحتج بذلك على خلقه .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
سعيد ، عن
قتادة (
علمه البيان ) الدنيا والآخرة ليحتج بذلك عليه .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
محمد بن مروان قال : ثنا
أبو العوام ، عن
قتادة في قوله : (
علمه البيان ) قال : تبين له الخير والشر ، وما يأتي وما يدع .
وقال آخرون : عنى به الكلام : أي أن الله - عز وجل - علم الإنسان البيان .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
علمه البيان ) قال : البيان : الكلام .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : معنى ذلك :
أن الله علم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودنياه من الحلال والحرام ، والمعايش والمنطق ، وغير ذلك مما به الحاجة إليه ؛ لأن الله - جل ثناؤه - لم يخصص بخبره ذلك أنه علمه من البيان بعضا دون بعض ، بل عم فقال : علمه البيان ، فهو كما عم - جل ثناؤه - .
[ ص: 9 ]
وقوله : (
الشمس والقمر بحسبان ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : معناه : الشمس والقمر بحسبان ، ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن خلف العسقلاني قال : ثنا
الفريابي قال : ثنا
إسرائيل قال : قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : (
الشمس والقمر بحسبان ) قال : بحساب ومنازل يرسلان .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
الشمس والقمر بحسبان ) قال : يجريان بعدد وحساب .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي مالك (
الشمس والقمر بحسبان ) قال : بحساب ومنازل .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
الشمس والقمر بحسبان ) : أي بحساب وأجل .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
الشمس والقمر بحسبان ) قال : يجريان في حساب .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
الشمس والقمر بحسبان ) قال : يحسب بهما الدهر والزمان ، لولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر ليلا كله كيف يحسب ؟ ! أو نهارا كله كيف يحسب ؟ ! .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
محمد بن مروان قال : ثنا
أبو العوام ، عن
قتادة (
الشمس والقمر بحسبان ) قال : بحساب وأجل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهما يجريان بقدر .
[ ص: 10 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو هشام الرفاعي قال : ثنا
عبد الله بن داود ، عن
أبي الصهباء ، عن
الضحاك في قوله : (
الشمس والقمر بحسبان ) قال : بقدر يجريان .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهما يدوران في مثل قطب الرحا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن خلف العسقلاني قال : ثنا
محمد بن يوسف قال : ثنا
إسرائيل قال : ثنا
أبو يحيى عن
مجاهد قال : ثنا
محمد بن يوسف قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : ( بحسبان ) قال : كحسبان الرحا .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله ( بحسبان ) قال : كحسبان الرحا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل ؛ لأن الحسبان مصدر من قول القائل : حسبته حسابا وحسبانا ، مثل قولهم : كفرته كفرانا ، وغفرته غفرانا . وقد قيل : إنه جمع حساب ، كما الشهبان : جمع شهاب .
واختلف أهل العربية فيما رفع به الشمس والقمر ، فقال بعضهم : رفعا بحسبان : أي بحساب ، وأضمر الخبر . وقال : وأظن - والله أعلم - أنه قال : يجريان بحساب . وقال بعض من أنكر هذا القول منهم : هذا غلط ، بحسبان يرافع الشمس والقمر أي : هما بحساب . قال : والبيان يأتي على هذا : علمه البيان أن الشمس والقمر بحسبان . قال : فلا يحذف الفعل ويضمر إلا شاذا في الكلام .