القول في
تأويل قوله تعالى : ( والأرض وضعها للأنام ( 10 )
فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام ( 11 )
والحب ذو العصف والريحان ( 12 ) )
يقول - تعالى ذكره - (
والأرض وضعها للأنام ) والأرض وطأها للخلق ، وهم الأنام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : ( للأنام ) يقول : للخلق .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
والأرض وضعها للأنام ) قال : كل شيء فيه الروح .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال : أخبرنا
أبو رجاء ، عن
[ ص: 16 ] الحسن في قوله : (
والأرض وضعها للأنام ) قال : للخلق الجن والإنس .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : ( للأنام ) قال : للخلائق .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ( للأنام ) قال : للخلق .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وضعها للأنام ) قال : الأنام : الخلق .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
محمد بن مروان قال : ثنا
أبو العوام ، عن
قتادة (
والأرض وضعها للأنام ) قال : للخلق .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة مثله .
وقوله : (
فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو ) يقول - تعالى ذكره - : في الأرض فاكهة ، والهاء والألف فيها من ذكر الأرض . (
والنخل ذات الأكمام ) : والأكمام : جمع كم ، وهو ما تكممت فيه .
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك . فقال بعضهم : عنى بذلك تكمم النخل في الليف .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء قال : سألت
الحسن عن قوله : (
والنخل ذات الأكمام ) ، فقال : سعفة من ليف عصبت بها .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة والحسن (
ذات الأكمام ) : أكمامها : ليفها .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
والنخل ذات الأكمام ) : الليف الذي يكون عليها .
وقال آخرون : يعني بالأكمام الرفات .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
محمد بن مروان قال : ثنا
أبو العوام ، عن
قتادة (
والنخل ذات الأكمام ) قال : أكمامها رفاتها .
وقال آخرون : بل معنى الكلام : والنخل ذات الطلع المتكمم في كمامه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
والنخل ذات الأكمام ) وقيل له : هو الطلع . قال : نعم . وهو في كم منه حتى ينفتق عنه . قال : والحب - أيضا - في أكمام . وقرأ : (
وما تخرج من ثمرات من أكمامها ) .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله وصف النخل بأنها ذات أكمام ، وهي متكممة في ليفها ، وطلعها متكمم في جفه ، ولم يخصص الله الخبر عنها بتكممها في ليفها ولا تكمم طلعها في جفه ، بل عم الخبر عنها بأنها ذات أكمام .
والصواب أن يقال : عنى بذلك ذات ليف ، وهي به متكممة ، وذات طلع هو في جفه متكمم ، فيعمم ، كما عم - جل ثناؤه - .
وقوله : (
والحب ذو العصف والريحان ) يقول - تعالى ذكره - : وفيها الحب ، وهو حب البر والشعير ذو الورق . والتبن : هو العصف . وإياه عنى
علقمة بن عبدة :
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتي الماء مطموم
[ ص: 18 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
والحب ذو العصف والريحان ) يقول : التبن .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
والحب ذو العصف والريحان ) قال : العصف : ورق الزرع الأخضر الذي قطع رءوسه ، فهو يسمى العصف إذا يبس .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
سعيد (
والحب ذو العصف ) : البقل من الزرع .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
والحب ذو العصف ) وعصفه تبنه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : العصف التبن .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
الضحاك (
والحب ذو العصف ) قال : الحب : البر والشعير ، والعصف : التبن .
[ ص: 19 ]
حدثنا
سعيد بن يحيى قال : ثنا
عبد الله بن المبارك الخراساني ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي مالك قوله : (
والحب ذو العصف والريحان ) قال : الحب أول ما ينبت .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : (
والحب ذو العصف والريحان ) قال : العصف : الورق من كل شيء . قال : يقال للزرع إذا قطع : عصافة ، وكل ورق فهو عصافة .
حدثنا
الحسن بن عرفة قال : ثني
يونس بن محمد قال : ثنا
عبد الواحد قال : ثنا
أبو روق عطية بن الحارث قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
والحب ذو العصف ) قال : العصف : التبن .
حدثنا
سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا
محمد بن الصلت قال : ثنا
أبو كدينة ، عن
عطاء ، عن
سعيد ، عن
ابن عباس ( ذو العصف ) قال : العصف : الزرع .
وقال بعضهم : العصف : هو الحب من البر والشعير بعينه .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
والحب ذو العصف والريحان ) ، أما العصف : فهو البر والشعير .
وأما قوله : ( والريحان ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله فقال بعضهم : هو الرزق .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15943زيد بن أخزم الطائي قال : ثنا
عامر بن مدرك قال : ثنا
[ ص: 20 ] عتبة بن يقظان ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : كل ريحان في القرآن فهو رزق .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( والريحان ) قال : الرزق .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
الضحاك ( والريحان ) : الرزق . ومنهم من يقول : ريحاننا .
حدثني
سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا
محمد بن الصلت قال : ثنا
أبو كدينة ، عن
عطاء ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ( والريحان ) قال : الريح .
حدثنا
الحسن بن عرفة قال : ثني
يونس بن محمد قال : ثنا
عبد الواحد قال : ثنا
أبو روق عطية بن الحارث قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : ( والريحان ) قال : الرزق والطعام .
وقال آخرون : هو الريحان الذي يشم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قال : ( الريحان ) ما تنبت الأرض من الريحان .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : ( والريحان ) : أما الريحان فما أنبتت الأرض من ريحان .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
الحسن ( والريحان ) قال : ريحانكم هذا . حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : ( والريحان ) : الرياحين التي توجد ريحها .
[ ص: 21 ]
وقال آخرون : هو خضرة الزرع .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : ( والريحان ) يقول : خضرة الزرع .
وقال آخرون : هو ما قام على ساق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
يعقوب ، عن
جعفر ، عن
سعيد قال : ( الريحان ) ما قام على ساق .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عني به الرزق ، وهو الحب الذي يؤكل منه .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب ؛ لأن الله - جل ثناؤه - أخبر عن الحب أنه ذو العصف ، وذلك ما وصفنا من الورق الحادث منه ، والتبن إذا يبس ، فالذي هو أولى بالريحان ، أن يكون حبه الحادث منه ؛ إذ كان من جنس الشيء الذي منه العصف . ومسموع من العرب تقول : خرجنا نطلب ريحان الله ورزقه . ويقال : سبحانك وريحانك : أي ورزقك . ومنه قول
النمر بن تولب :
سلام الإله وريحانه وجنته وسماء درر
وذكر عن بعضهم أنه كان يقول : العصف : المأكول من الحب
[ ص: 22 ] والريحان : الصحيح الذي لم يؤكل .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( والريحان ) ، فقرأ ذلك عامة قراء
المدينة والبصرة وبعض المكيين ، وبعض الكوفيين بالرفع عطفا به على الحب ، بمعنى وفيها الحب ذو العصف ، وفيها الريحان أيضا . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين : " والريحان " بالخفض عطفا به على العصف ، بمعنى والحب ذو العصف وذو الريحان .
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب : قراءة من قرأه بالخفض للعلة التي بينت في تأويله ، وأنه بمعنى الرزق . وأما الذين قرءوه رفعا ، فإنهم وجهوا تأويله فيما أرى إلى أنه الريحان الذي يشم ، فلذلك اختاروا الرفع فيه ، وكونه خفضا بمعنى : وفيها الحب ذو الورق والتبن ، وذو الرزق المطعوم أولى وأحسن لما قد بيناه قبل .