القول في
تأويل قوله - تعالى - : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( 22 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 23 )
وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ( 24 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 25 ) )
[ ص: 33 ]
يقول - تعالى ذكره - : يخرج من هذين البحرين اللذين مرجهما الله ، وجعل بينهما برزخا اللؤلؤ والمرجان . واختلف أهل التأويل في صفة اللؤلؤ والمرجان ، فقال بعضهم : اللؤلؤ : ما عظم من الدر ، والمرجان : ما صغر منه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
جابر ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس (
اللؤلؤ والمرجان ) قال : اللؤلؤ : العظام .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ، أما اللؤلؤ فعظامه ، وأما المرجان فصغاره ، وإن لله فيهما خزانة دل عليها عامة بني
آدم ، فأخرجوا متاعا ومنفعة وزينة ، وبلغة إلى أجل .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) قال : اللؤلؤ الكبار من اللؤلؤ ، والمرجان : الصغار منه .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
اللؤلؤ والمرجان ) أما المرجان : فاللؤلؤ الصغار . وأما اللؤلؤ : فما عظم منه .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) قال : اللؤلؤ : ما عظم منه ، والمرجان : اللؤلؤ الصغار .
وحدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : المرجان : هو اللؤلؤ الصغار .
وحدثنا
عمرو بن سعيد بن بشار القرشي قال : ثنا
أبو قتيبة قال : ثنا
عبد الله بن ميسرة الحراني قال : ثني شيخ
بمكة من
أهل الشأم ، أنه سمع
[ ص: 34 ] كعب الأحبار يسأل عن المرجان ، فقال : هو البسذ .
قال
أبو جعفر : البسذ له شعب ، وهو أحسن من اللؤلؤ .
وقال آخرون : المرجان من اللؤلؤ : الكبار ، واللؤلؤ منها : الصغار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
موسى بن أبي عائشة ، أو
قيس بن وهب ، عن
مرة قال : المرجان : اللؤلؤ العظام .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : المرجان قال : ما عظم من اللؤلؤ .
حدثني
محمد بن سنان القزاز قال : ثنا
الحسين بن الحسن الأشقر قال : ثنا
زهير ، عن
جابر ، عن
عبد الله بن يحيى ، عن
علي وعن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : المرجان : عظيم اللؤلؤ .
وقال آخرون : المرجان : جيد اللؤلؤ .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
شريك ، عن
موسى بن أبي عائشة قال : سألت
مرة عن اللؤلؤ والمرجان قال : المرجان : جيد اللؤلؤ .
وقال آخرون : المرجان : حجر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
عطاء بن السائب ، عن
عمرو بن ميمون الأودي عن
ابن مسعود ، (
اللؤلؤ والمرجان ) قال : المرجان حجر .
والصواب من القول في اللؤلؤ ، أنه هو الذي عرفه الناس مما يخرج
[ ص: 35 ] من أصداف البحر من الحب . وأما المرجان : فإني رأيت أهل المعرفة بكلام العرب لا يتدافعونه أنه جمع مرجانة ، وأنه الصغار من اللؤلؤ . قد ذكرنا ما فيه من الاختلاف بين متقدمي أهل العلم . والله أعلم بصواب ذلك .
وقد زعم بعض أهل العربية ، أن اللؤلؤ والمرجان يخرج من أحد البحرين ، ولكن قيل : يخرج منهما كما يقال أكلت خبزا ولبنا ، وكما قيل :
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
وليس ذلك كما ذهب إليه ، بل ذلك كما وصفت من قبل من أن ذلك يخرج من أصداف البحر ، عن قطر السماء ، فلذلك قيل : (
يخرج منهما اللؤلؤ ) يعني بهما : البحران .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن
سفيان بن جبير ، عن
ابن [ ص: 36 ] عباس قال : إن السماء إذا أمطرت ، فتحت الأصداف أفواهها ، فمنها اللؤلؤ .
حدثني
محمد بن إسماعيل الأحمسي قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12194أبو يحيى الحماني قال : ثنا
الأعمش ، عن
عبد الله بن عبد الله ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : إذا نزل القطر من السماء ، تفتحت الأصداف فكان لؤلؤا .
حدثني
عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي قال : ثنا
الفريابي قال : ذكر
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
عبد الله بن عبد الله ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : إن السماء إذا أمطرت تفتحت لها الأصداف ، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ .
حدثنا
محمد بن إسماعيل الفزاري قال : أخبرنا
محمد بن سوار قال : ثنا
محمد بن سليمان الكرخي ابن أخي عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن
عبد الرحمن الأصبهاني ، عن
عكرمة قال : ما نزلت قطرة من السماء في البحر إلا كانت بها لؤلؤة أو نبتت بها عنبرة . فيما يحسب
الطبري .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ، فقرأته عامة قراء
المدينة والبصرة : " يخرج " على وجه ما لم يسم فاعله . وقرأ ذلك عامة قراء
الكوفة وبعض المكيين بفتح الياء .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ؛ لتقارب معنييهما .
وقوله : (
فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم بها عليكم فيما أخرج لكم من منافع هذين البحرين تكذبان .
وقوله : (
وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) يقول - تعالى ذكره - : ولرب المشرقين والمغربين الجواري ، وهي السفن الجارية في البحار .
[ ص: 37 ]
وقوله : (
المنشآت في البحر ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
الكوفة : " المنشئات " بكسر الشين ، بمعنى : الظاهرات السير اللاتي يقبلن ويدبرن . وقرأ ذلك عامة قراء البصرة
والمدينة وبعض الكوفيين (
المنشآت ) ، بفتح الشين ، بمعنى المرفوعات القلاع اللاتي تقبل بهن وتدبر .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى متقاربتاه ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
ذكر من قال في تأويل ذلك ما ذكرناه فيه :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
المنشآت في البحر ) قال : ما رفع قلعه من السفن فهي منشآت ، وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشأة .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) يعني السفن .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) : يعني السفن .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ) قال : السفن .
وقوله : ( كالأعلام ) يقول : كالجبال ، شبه السفن بالجبال ، والعرب تسمي كل جبل طويل علما . ومنه قول
جرير :
إذا قطعنا علما بدا علم
[ ص: 38 ]
وقوله : (
فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي نعم ربكما معشر الجن والإنس - التي أنعمها عليكم بإجرائه الجواري المنشئات في البحر جارية بمنافعكم - تكذبان .