القول في
تأويل قوله تعالى : ( فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ( 56 )
فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 57 ) )
يقول - تعالى ذكره - في هذه الفرش التي بطائنها من إستبرق (
قاصرات الطرف ) ، وهن النساء اللاتي قد قصر طرفهن على أزواجهن ، فلا ينظرن إلى غيرهم من الرجال .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عبيد المحاربي قال : ثني أبي ، عن
أبي يحيى ، عن
مجاهد في قوله : (
فيهن قاصرات الطرف ) قال : قصر طرفهن عن الرجال ، فلا ينظرن إلا إلى أزواجهن .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فيهن قاصرات الطرف ) الآية . يقول : قصر طرفهن على أزواجهن ، فلا يردن غيرهم .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
قاصرات الطرف ) قال : لا ينظرن إلا إلى أزواجهن ، تقول : وعزة ربي وجلاله وجماله ، إن أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، فالحمد لله الذي جعلك زوجي ، وجعلني زوجك .
وقوله : (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) يقول : لم يمسهن إنس - قبل هؤلاء الذين وصف - جل ثناؤه - صفتهم ، وهم الذين قال فيهم (
ولمن خاف مقام ربه جنتان ) . - ولا جان يقال منه : ما طمث هذا البعير حبل قط : أي ما
[ ص: 64 ] مسه حبل .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول : الطمث هو النكاح بالتدمية ، ويقول : الطمث هو الدم ، ويقول : طمثها إذا دماها بالنكاح .
وإنما عنى في هذا الموضع أنه لم يجامعهن إنس قبلهم ولا جان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) يقول : لم يدمهن إنس ولا جان .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل ، عن رجل عن
علي (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) قال : منذ خلقهن .
حدثنا
الحسين بن يزيد الطحان قال : ثنا
أبو معاوية الضرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15292مغيرة بن مسلم ، عن
عكرمة قال : لا تقل للمرأة طامث ، فإن الطمث هو الجماع ، إن الله يقول (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) .
حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) قال : لم يمسهن شيء إنس ولا غيره .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) قال : لم يمسهن .
حدثنا
عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : ثنا
مروان بن معاوية ، عن
عاصم قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=11873لأبي العالية امرأة طامث قال : ما طامث ؟ فقال رجل :
[ ص: 65 ] حائض . فقال
أبو العالية : حائض ، أليس يقول الله - عز وجل - (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) .
فإن قال قائل :
وهل يجامع النساء الجن ؟ فيقال : (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) ؟ فإن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا روي عنه ما حدثني به
محمد بن عمارة الأسدي قال : ثنا
سهل بن عامر قال : ثنا
يحيى بن يعلى الأسلمي عن
عثمان بن الأسود ، عن
مجاهد قال : إذا جامع الرجل ولم يسم ، انطوى الجان على إحليله فجامع معه ، فذلك قوله : (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) .
وكان بعض أهل العلم ينتزع بهذه الآية في أن الجن يدخلون الجنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
أبو حميد أحمد بن المغيرة الحمصي قال : ثني
أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي قال : ثني
أرطأة بن المنذر قال : سألت
ضمرة بن حبيب :
هل للجن من ثواب ؟ قال : نعم ، ثم نزع بهذه الآية (
لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) ، فالإنسيات للإنس ، والجنيات للجن .
وقوله : (
فبأي آلاء ربكما تكذبان ) يقول - تعالى ذكره - : فبأي آلاء ربكما معشر الجن والإنس - من هذه النعم التي أنعمها على أهل طاعته - تكذبان .