القول في تأويل
قوله تعالى : ( وكنتم أزواجا ثلاثة ( 7 )
فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ( 8 )
وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ( 9 )
والسابقون السابقون ( 10 )
أولئك المقربون ( 11 )
في جنات النعيم ( 12 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وكنتم أيها الناس أنواعا ثلاثة وضروبا .
كما حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
وكنتم أزواجا ثلاثة ) قال : منازل الناس يوم القيامة .
[ ص: 95 ]
وقوله : (
فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ) وهذا بيان من الله عن الأزواج الثلاثة . يقول - جل ثناؤه - : وكنتم أزواجا ثلاثة : أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ، والسابقون ، فجعل الخبر عنهم مغنيا عن البيان عنهم - على الوجه الذي ذكرنا - لدلالة الكلام على معناه . فقال : (
فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ) يعجب نبيه محمدا منهم . وقال : (
ما أصحاب اليمين ) الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، أي شيء أصحاب اليمين (
وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ) يقول - تعالى ذكره - : وأصحاب الشمال الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ، والعرب تسمي اليد اليسرى : الشؤمى ومنه قول
أعشى بني ثعلبة :
فأنحى على شؤمى يديه فذادها بأظمأ من فرع الذوابة أسحما
وقوله : (
والسابقون السابقون ) وهم الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله ، وهم المهاجرون الأولون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : ثنا
عبيد الله ، يعني
العتكي ، عن
عثمان بن عبد الله بن سراقة قوله : (
وكنتم أزواجا ثلاثة ) قال : اثنان في الجنة وواحد في النار ، يقول : الحور العين للسابقين ، والعرب الأتراب
[ ص: 96 ] لأصحاب اليمين .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
وكنتم أزواجا ثلاثة ) قال : منازل الناس يوم القيامة .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
هوذة قال : ثنا
عوف ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=812787عن الحسن في قوله : ( وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون ) . . . إلى ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوى بين أصحاب اليمين من الأمم السابقة ، وبين أصحاب اليمين من هذه الأمة ، وكان السابقون من الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة " .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ) : أي ماذا لهم ، وماذا أعد لهم ؟ (
وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ) : أي ماذا لهم وماذا أعد لهم ؟ (
والسابقون السابقون ) : أي من كل أمة .
حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : سمعت
ابن زيد يقول : وجدت الهوى ثلاثة أثلاث ، فالمرء يجعل هواه علمه ، فيديل هواه على علمه ، ويقهر هواه علمه ، حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل والعلم ذليل ، والهوى غالب قاهر ، فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه فهذا من أزواج النار ، وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه ، فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى ، فإذا حسنت حال المؤمن ، واستقامت طريقه كان الهوى ذليلا وكان العلم غالبا قاهرا . فإذا كان ممن يريد الله به خيرا ، ختم عمله بإدالة العلم ، فتوفاه - حين توفاه - وعلمه هو القاهر ، وهو العامل به ، وهواه الذليل القبيح ، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل . والثالث : الذي قبح الله هواه بعلمه ، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم ، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب فهذا الثالث ، وهو خيرهم كلهم ، وهو الذي قال الله - عز وجل - في
[ ص: 97 ] سورة الواقعة : (
وكنتم أزواجا ثلاثة ) قال : فزوجان في الجنة ، وزوج في النار قال : والسابق الذي يكون العلم غالبا للهوى ، والآخر : الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى ، فهذان زوجان في الجنة . والآخر : هواه قاهر لعلمه ، فهذا زوج النار .
واختلف أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ، فقال بعض نحويي
البصرة : خبر قوله : (
فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ) قال : ويقول زيد : ما زيد ، يريد : زيد شديد . وقال غيره : قوله : (
ما أصحاب الميمنة ) لا تكون الجملة خبره ، ولكن الثاني عائد على الأول ، وهو تعجب ، فكأنه قال : أصحاب الميمنة ما هم ، والقارعة ما هي ، والحاقة ما هي ؟ فكان الثاني عائد الأول ، وكان تعجبا ، والتعجب بمعنى الخبر ، ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء ؛ لأن الاستفهام لا يكون خبرا ، والخبر لا يكون استفهاما ، والتعجب يكون خبرا ، فكان خبرا للابتداء . وقوله : زيد وما زيد ، لا يكون إلا من كلامين ؛ لأنه لا تدخل الواو في خبر الابتداء ، كأنه قال : هذا زيد وما هو : أي ما أشده وما أعلمه .
واختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله : (
والسابقون السابقون ) فقال بعضهم : هم الذين صلوا للقبلتين .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
خارجة ، عن
قرة ، عن
ابن سيرين (
والسابقون السابقون ) الذين صلوا للقبلتين .
وقال آخرون في ذلك بما حدثني
عبد الكريم بن أبي عمير قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم قال : ثنا
أبو عمرو قال : ثنا
عثمان بن أبي سودة قال (
والسابقون السابقون ) أولهم رواحا إلى المساجد ، وأسرعهم خفوقا في سبيل الله .
والرفع في السابقين من وجهين : أحدهما : أن يكون الأول مرفوعا
[ ص: 98 ] بالثاني ، ويكون معنى الكلام حينئذ والسابقون الأولون كما يقال : السابق الأول . والثاني أن يكون مرفوعا بأولئك المقربون يقول - جل ثناؤه - : أولئك الذين يقربهم الله منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة .
وقوله : (
في جنات النعيم ) يقول : في بساتين النعيم الدائم .