القول في تأويل
قوله تعالى : ( ثلة من الأولين ( 13 )
وقليل من الآخرين ( 14 )
على سرر موضونة ( 15 )
متكئين عليها متقابلين ( 16 )
يطوف عليهم ولدان مخلدون ( 17 )
بأكواب وأباريق وكأس من معين ( 18 )
لا يصدعون عنها ولا ينزفون ( 19 )
وفاكهة مما يتخيرون ( 20 )
ولحم طير مما يشتهون ( 21 ) )
يقول - تعالى ذكره - : جماعة من الأمم الماضية ، وقليل من أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم الآخرون . وقيل لهم : الآخرون ؛ لأنهم آخر الأمم (
على سرر موضونة ) يقول : فوق سرر منسوجة ، قد أدخل بعضها في بعض ، كما يوضن حلق الدرع بعضها فوق بعض مضاعفة . ومنه قول
الأعشى :
ومن نسج داود موضونة تساق مع الحي عيرا فعيرا
ومنه وضين الناقة ، وهو البطان من السيور إذا نسج بعضه على بعض
[ ص: 99 ] مضاعفا كالحلق حلق الدرع . وقيل : وضين وإنما هو موضون ، صرف من مفعول إلى فعيل كما قيل : قتيل لمقتول . وحكي سماعا من بعض العرب أزيار الآجر موضون بعضها على بعض ، يراد مشرج صفيف .
وقيل : إنما قيل لها سرر موضونة ؛ لأنها مشبكة بالذهب والجوهر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
مؤمل قال : ثنا
سفيان قال : ثنا
حصين ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس (
على سرر موضونة ) قال : مرمولة بالذهب .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
الحصين ، عن
مجاهد (
على سرر موضونة ) قال : مرمولة بالذهب .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
على سرر موضونة ) قال : يعني الأسرة المرملة .
حدثنا
هناد قال : ثنا
أبو الأحوص ، عن
حصين ، عن
مجاهد قال : الموضونة : المرملة بالذهب .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : ثنا
الحسين بن واقد ، عن
يزيد ، عن
عكرمة قوله : (
على سرر موضونة ) قال : مشبكة بالدر والياقوت .
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن [ ص: 100 ] أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : ( موضونة ) قال : مرمولة بالذهب .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
على سرر موضونة ) والموضونة : المرمولة ، وهى أوثر السرر .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
سليمان قال : ثنا
أبو هلال في قوله : ( موضونة ) قال : مرمولة .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر في قوله : (
على سرر موضونة ) قال : مرملة مشبكة .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
على سرر موضونة ) الوضن : التشبيك والنسج . يقول : وسطها مشبك منسوج .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
على سرر موضونة ) الموضونة : المرمولة بالجلد - ذاك الوضين - منسوجة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنها مصفوفة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
على سرر موضونة ) يقول : مصفوفة .
وقوله : (
متكئين عليها متقابلين ) يقول - تعالى ذكره - متكئين على السرر الموضونة ، متقابلين بوجوههم ، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض .
كما حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
على سرر متقابلين ) قال : لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه ، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله " متكئين عليها ناعمين " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : ثنا
محمد بن جعفر ، عن
شعبة ، عن
أبي إسحاق ، في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - يعني - ابن مسعود " متكئين عليها ناعمين " .
[ ص: 101 ]
وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع ، وذكرنا ما فيه من الرواية .
وقوله : (
يطوف عليهم ولدان مخلدون ) يقول - تعالى ذكره - : يطوف على هؤلاء السابقين - الذين قربهم الله في جنات النعيم - ولدان على سن واحدة ، لا يتغيرون ولا يموتون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( مخلدون ) قال : لا يموتون .
وقال آخرون : عني بذلك أنهم مقرطون مسورون .
والذي هو أولى بالصواب في ذلك قول من قال معناه : إنهم لا يتغيرون ، ولا يموتون ؛ لأن ذلك أظهر معنييه ، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط : إنه لمخلد ، وإنما هو مفعل من الخلد .
وقوله : (
بأكواب وأباريق ) والأكواب : جمع كوب ، وهو من الأباريق ما اتسع رأسه ، ولم يكن له خرطوم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : ( بأكواب ) قال : الأكواب : الجرار من الفضة .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
بأكواب وأباريق ) قال : الأباريق : ما كان لها آذان ، والأكواب ما ليس لها آذان .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
عبد الرحمن قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد قال : الأكواب ليس لها آذان .
[ ص: 102 ]
حدثنا
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء قال : سئل
الحسن عن الأكواب قال : هي الأباريق التي يصب لهم منها .
حدثنا
أبو كريب وأبو السائب قالا : ثنا
ابن إدريس قال : سمعت أبي قال : مر
أبو صالح صاحب الكلبي قال : فقال أبي ، قال لي
الحسن وأنا جالس : سله ، فقلت : ما الأكواب ؟ قال : جرار الفضة المستديرة أفواهها ، والأباريق ذوات الخراطيم .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد ( بأكواب ) قال : ليس لها عرى ولا آذان .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
بأكواب وأباريق ) والأكواب التي يغترف بها ليس لها خراطيم ، وهي أصغر من الأباريق .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
بأكواب وأباريق ) قال : الأكواب التي دون الأباريق ليس لها عرى .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول : الأكواب جرار ليست لها عرى ، وهي بالنبطية كوبا ، وإياها عنى
الأعشى بقوله :
صريفية طيب طعمها لها زبد بين كوب ودن
وأما الأباريق : فهي التي لها عرى .
وقوله : (
وكأس من معين ) وكأس خمر من شراب معين ظاهر
[ ص: 103 ] العيون جار . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
وكأس من معين ) : قال الخمر .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
وكأس من معين ) أي من خمر جارية .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وكأس من معين ) الكأس : الخمر .
حدثنا
أبو سنان قال : ثنا
سليمان قال : ثنا
أبو هلال ، عن
قتادة في قوله : (
وكأس من معين ) قال : الخمر الجارية .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
سلمة بن نبيط ، عن
الضحاك مثله .
وقوله : (
لا يصدعون عنها ) يقول : لا تصدع رءوسهم عن شربها فتسكر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
إسماعيل بن موسى السدي قال : أخبرنا
شريك ، عن
سالم ، عن
سعيد قوله : (
لا يصدعون عنها ) قال : لا تصدع رءوسهم .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
لا يصدعون عنها ) ليس لها وجع رأس .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
سليمان قال : ثنا
أبو هلال ، عن
قتادة [ ص: 104 ] (
لا يصدعون عنها ) قال : لا تصدع رءوسهم .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
لا يصدعون عنها ) يقول : لا تصدع رءوسهم .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
لا يصدعون عنها ) يعني وجع الرأس .
وقوله : ( ولا ينزفون ) اختلفت القراء في قراءته ، فقرأت عامة قراء
المدينة والبصرة " ينزفون " بفتح الزاي ، ووجهوا ذلك إلى أنه لا تنزف عقولهم . وقرأته عامة قراء
الكوفة ( لا ينزفون ) بكسر الزاي بمعنى : ولا ينفد شرابهم .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب فيها الصواب .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القراء فيه . وقد ذكرنا اختلاف أقوالهم في ذلك ، وبينا الصواب من القول فيه في سورة الصافات ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا سنذكر قول بعضهم في هذا الموضع لئلا يظن ظان أن معناه في هذا الموضع مخالف معناه هنالك .
ذكر قول من قال منهم معناه : لا تنزف عقولهم :
حدثنا
إسماعيل بن موسى قال : أخبرنا
شريك ، عن
سالم ، عن
سعيد " ولا ينزفون " قال : لا تنزف عقولهم .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد " ولا ينزفون " قال : لا تنزف عقولهم .
وحدثنا
ابن حميد - مرة أخرى - فقال : ولا تذهب عقولهم .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : " ولا ينزفون " لا تنزف عقولهم .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة في قوله : " ولا
[ ص: 105 ] ينزفون " قال : لا يغلب أحد على عقله .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد في قوله : " ولا ينزفون " قال : لا يغلب أحد على عقله .
حدثنا
ابن بشار قال : ثنا
سليمان قال : ثنا
أبو هلال ، عن
قتادة في قول الله " ولا ينزفون " قال : لا تغلب على عقولهم .
وقوله : (
وفاكهة مما يتخيرون ) يقول - تعالى ذكره - : ويطوف هؤلاء الولدان المخلدون على هؤلاء السابقين بفاكهة من الفواكه التي يتخيرونها من الجنة لأنفسهم ، وتشتهيها نفوسهم (
ولحم طير مما يشتهون ) يقول : ويطوفون أيضا عليهم بلحم طير مما يشتهون من الطير الذي تشتهيه نفوسهم .