القول في تأويل
قوله تعالى : ( فشاربون عليه من الحميم ( 54 )
فشاربون شرب الهيم ( 55 )
هذا نزلهم يوم الدين ( 56 )
نحن خلقناكم فلولا تصدقون ( 57 ) )
يقول - تعالى ذكره - : فشارب أصحاب الشمال على الشجر من الزقوم إذا أكلوه ، فملئوا منه بطونهم من الحميم الذي انتهى غليه وحره . وقد قيل : إن معنى قوله : (
فشاربون عليه ) : فشاربون على الأكل من الشجر من الزقوم .
وقوله : (
فشاربون شرب الهيم ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
المدينة والكوفة : (
شرب الهيم ) بضم الشين ، وقرأ ذلك بعض قراء
مكة والبصرة والشأم : " شرب الهيم " اعتلالا بأن
nindex.php?page=hadith&LINKID=811071النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأيام منى : " وإنها أيام أكل وشرب " .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء مع تقارب معنييهما ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته ؛ لأن ذلك في فتحه وضمه نظير فتح قولهم : الضعف والضعف بضمه . وأما الهيم ، فإنها جمع أهيم ، والأنثى هيماء والهيم : الإبل التي يصيبها داء فلا تروى من الماء . ومن العرب من يقول : هائم ، والأنثى هائمة ،
[ ص: 135 ] ثم يجمعونه على هيم ، كما قالوا : عائط وعيط ، وحائل وحول . ويقال : إن الهيم : الرمل ، بمعنى أن أهل النار يشربون الحميم شرب الرمل الماء .
ذكر من قال عنى بالهيم الإبل العطاش :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
شرب الهيم ) يقول : شرب الإبل العطاش .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
فشاربون شرب الهيم ) قال : الإبل الظماء .
حدثني
يعقوب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
عمران بن حدير ، عن
عكرمة في قوله : (
فشاربون شرب الهيم ) قال : هي الإبل المراضى ، تمص الماء مصا ولا تروى .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : ثنا
الحسين ، عن
يزيد ، عن
عكرمة في قوله : (
فشاربون شرب الهيم ) قال : الإبل يأخذها العطاش ، فلا تزال تشرب حتى تهلك .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
خصيف ، عن
عكرمة (
فشاربون شرب الهيم ) قال : هي الإبل يأخذها العطاش .
قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
ابن عباس قال : هي الإبل العطاش .
حدثنا
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : (
شرب الهيم ) قال : الإبل الهيم .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
فشاربون شرب الهيم ) الهيم : الإبل العطاش ، تشرب فلا تروى يأخذها داء يقال له الهيام .
[ ص: 136 ]
حدثنا
بشر قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
فشاربون شرب الهيم ) قال : داء بالإبل لا تروى معه .
ذكر من قال هي الرملة :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان (
فشاربون شرب الهيم ) قال : السهلة .
وقوله : (
هذا نزلهم يوم الدين ) يقول - تعالى ذكره - : هذا الذي وصفت لكم - أيها الناس - أن هؤلاء المكذبين الضالين يأكلونه من شجر من زقوم ، ويشربون عليه من الحميم ، هو نزلهم الذي ينزلهم ربهم يوم الدين . يعني : يوم يدين الله عباده .
وقوله : (
نحن خلقناكم فلولا تصدقون ) يقول - تعالى ذكره - لكفار
قريش والمكذبين بالبعث : نحن خلقناكم - أيها الناس - ولم تكونوا شيئا ، فأوجدناكم بشرا ، فهلا تصدقون من فعل ذلك بكم في قيله لكم : إنه يبعثكم بعد مماتكم وبلاكم في قبوركم ، كهيأتكم قبل مماتكم .