القول في تأويل
قوله تعالى : ( لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( 65 )
إنا لمغرمون ( 66 )
بل نحن محرومون ( 67 ) )
يقول - تعالى ذكره - : لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حطاما ، يعني هشيما لا ينتفع به في مطعم وغذاء .
وقوله : (
فظلتم تفكهون ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فظلتم تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم من المصيبة باحتراقه وهلاكه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون .
وقال آخرون : معنى ذلك : فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة
[ ص: 140 ] ربكم - جل ثناؤه - حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : ثنا
الحسين ، عن
يزيد ، عن
عكرمة في قوله : (
فظلتم تفكهون ) يقول : تلاومون .
قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
سماك بن حرب البكري ، عن
عكرمة (
فظلتم تفكهون ) قال : تلاومون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تندمون على ما سلف منكم في معصية الله التي أوجب لكم عقوبته ، حتى نالكم في زرعكم ما نالكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : ثني
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء ، عن
الحسن (
فظلتم تفكهون ) قال : تندمون .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
فظلتم تفكهون ) قال تندمون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تعجبون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
فظلتم تفكهون ) قال : تعجبون حين صنع بحرثكم ما صنع به ، وقرأ قول الله - عز وجل - (
إنا لمغرمون بل نحن محرومون ) وقرأ قول الله (
وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ) قال : هؤلاء ناعمين ، وقرأ قول الله - جل ثناؤه - (
فأخرجناهم من جنات وعيون ) . . . إلى قوله : (
كانوا فيها فاكهين ) .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ( فظلتم ) : فأقمتم
[ ص: 141 ] تعجبون مما نزل بزرعكم . وأصله من التفكه بالحديث إذا حدث الرجل الرجل بالحديث يعجب منه ، ويلهى به ، فكذلك ذلك . وكأن معنى الكلام : فأقمتم تتعجبون يعجب بعضكم بعضا مما نزل بكم .
وقوله : (
إنا لمغرمون ) اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : إنا لمولع بنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : ثنا
يزيد بن الحباب قال : أخبرني
الحسين بن واقد قال : ثني
يزيد النحوي عن
عكرمة في قول الله - تعالى ذكره - (
إنا لمغرمون ) قال : إنا لمولع بنا .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر قال : قال
مجاهد في قوله : (
إنا لمغرمون ) أي لمولع بنا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنا لمعذبون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
إنا لمغرمون ) : أي معذبون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنا لملقون للشر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
إنا لمغرمون ) قال : ملقون للشر .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : إنا لمعذبون ، وذلك أن الغرام عند العرب : العذاب . ومنه قول
الأعشى :
إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي
[ ص: 142 ]
يعني بقوله : يكن غراما : يكن عذابا . وفي الكلام متروك اكتفى بدلالة الكلام عليه وهو : فظلتم تفكهون " تقولون " إنا لمغرمون ، فترك تقولون من الكلام لما وصفنا .
وقوله : (
بل نحن محرومون ) يعني بذلك - تعالى ذكره - أنهم يقولون : ما هلك زرعنا وأصبنا به من أجل (
إنا لمغرمون ) ولكنا قوم محرومون ، يقول : إنهم غير مجدودين ، ليس لهم جد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد (
بل نحن محرومون ) قال : حورفنا فحرمنا .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
بل نحن محرومون ) قال : أي محارفون .