[ ص: 230 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، يقول : فلا حرج عليه ولا مأثم في طوافه بهما .
فإن قال قائل : وما وجه هذا الكلام ، وقد قلت لنا ، إن قوله : "إن
الصفا والمروة من شعائر الله " ، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر ، فإنه في معنى الأمر بالطواف بهما ؟ فكيف يكون أمرا بالطواف ، ثم يقال : لا جناح على من حج البيت أو اعتمر في الطواف بهما ؟ وإنما يوضع الجناح عمن أتى ما عليه بإتيانه الجناح والحرج ؟ والأمر بالطواف بهما ، والترخيص في الطواف بهما ، غير جائز اجتماعهما في حال واحدة ؟
قيل : إن ذلك بخلاف ما إليه ذهبت . وإنما معنى ذلك عند أقوام : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتمر عمرة القضية ، تخوف أقوام كانوا يطوفون بهما في الجاهلية قبل الإسلام لصنمين كانا عليهما تعظيما منهم لهما ، فقالوا : وكيف نطوف بهما ، وقد علمنا أن تعظيم الأصنام وجميع ما كان يعبد من ذلك من دون الله ، شرك ؟ ففي طوافنا بهذين الحجرين أحرج ذلك ، لأن الطواف بهما في الجاهلية إنما كان للصنمين اللذين كانا عليهما ، وقد جاء الله بالإسلام اليوم ، ولا سبيل إلى تعظيم شيء مع الله بمعنى العبادة له!
فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك من أمرهم : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " ،
[ ص: 231 ] يعني : إن الطواف بهما ، فترك ذكر "الطواف بهما " ، اكتفاء بذكرهما عنه . وإذ كان معلوما عند المخاطبين به أن معناه : من معالم الله التي جعلها علما لعباده يعبدونه عندهما بالطواف بينهما ، ويذكرونه عليهما وعندهما بما هو له أهل من الذكر ، "فمن حج البيت أو اعتمر " فلا يتخوفن الطواف بهما ، من أجل ما كان أهل الجاهلية يطوفون بهما من أجل الصنمين اللذين كانا عليهما ، فإن أهل الشرك كانوا يطوفون بهما كفرا ، وأنتم تطوفون بهما إيمانا ، وتصديقا لرسولي ، وطاعة لأمري ، فلا جناح عليكم في الطواف بهما .
و"الجناح " ، الإثم ، كما : -
2334 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، يقول : ليس عليه إثم ، ولكن له أجر .
وبمثل الذي قلنا في ذلك تظاهرت الرواية عن السلف من الصحابة والتابعين .
ذكر الأخبار التي رويت بذلك :
2335 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12461محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال : حدثنا
داود ، عن
الشعبي : أن وثنا كان في الجاهلية على
الصفا يسمى "إسافا " ، ووثنا على
المروة يسمى "نائلة " ، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مسحوا الوثنين . فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان ، قال المسلمون : إن
الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين ، وليس الطواف بهما من الشعائر! قال : فأنزل الله : إنهما من الشعائر ، "فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " .
2336 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
عبد الوهاب قال : حدثنا
داود ، عن
عامر قال : كان صنم
بالصفا يدعى "إسافا " ، ووثن
بالمروة يدعى "نائلة " ،
[ ص: 232 ] ثم ذكر نحو حديث
ابن أبي الشوارب - وزاد فيه ، قال : فذكر
الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه ، وأنث
المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنثا .
2337 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
الشعبي ، وذكر نحو حديث
ابن أبي الشوارب عن
يزيد ، وزاد فيه - قال : فجعله الله تطوع خير .
2338 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
ابن أبي زائدة قال : أخبرني
عاصم الأحول قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=9لأنس بن مالك : أكنتم تكرهون الطواف بين
الصفا والمروة حتى نزلت هذه الآية ؟ فقال : نعم كنا نكره الطواف بينهما لأنهما من شعائر الجاهلية ، حتى نزلت هذه الآية
إن الصفا والمروة من شعائر الله
2339 - حدثني
علي بن سهل الرملي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16862مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا
سفيان ، عن
عاصم قال : سألت
أنسا عن
الصفا والمروة ، فقال : كانتا من مشاعر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكوا عنهما ، فنزلت : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " .
[ ص: 233 ]
2340 - حدثني
عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثني
أبو الحسين المعلم قال : حدثنا
شيبان أبو معاوية ، عن
جابر الجعفي ، عن
عمرو بن حبشي قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " قال : انطلق إلى
ابن عباس فاسأله ، فإنه أعلم من بقي بما أنزل على
محمد صلى الله عليه وسلم . فأتيته فسألته ، فقال : إنه كان عندهما أصنام ، فلما حرمن أمسكوا عن الطواف بينهما ، حتى أنزلت : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " .
[ ص: 234 ]
2341 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قوله : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " ، وذلك أن ناسا كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين
الصفا والمروة ، فأخبر الله أنهما من شعائره ، والطواف بينهما أحب إليه ، فمضت السنة بالطواف بينهما .
2342 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " قال : زعم
أبو مالك ، عن
ابن عباس : أنه كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل أجمع بين
الصفا والمروة ، وكانت بينهما آلهة ، فلما جاء الإسلام وظهر ، قال المسلمون : يا رسول الله ، لا نطوف بين
الصفا والمروة ، فإنه شرك كنا نفعله في الجاهلية! فأنزل الله : "فلا جناح عليه أن يطوف بهما " .
[ ص: 235 ]
2343 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " قال : قالت
الأنصار : إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية! فأنزل الله تعالى ذكره : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله "
2344 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد نحوه .
2345 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله
فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : كان أهل الجاهلية قد وضعوا على كل واحد منهما صنما يعظمونهما ، فلما أسلم المسلمون كرهوا الطواف بالصفا والمروة لمكان الصنمين ، فقال الله تعالى : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، وقرأ : (
ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) [ سورة الحج : 32 ] ، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما .
2346 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
عاصم قال : قلت
لأنس :
الصفا والمروة ، أكنتم تكرهون أن تطوفوا بهما مع الأصنام التي نهيتم عنها ؟ قال : نعم ، حتى نزلت : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " .
2347 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير قال : أخبرنا
عاصم قال : سمعت
أنس بن مالك يقول : إن
الصفا والمروة من مشاعر
قريش في الجاهلية ،
[ ص: 236 ] فلما كان الإسلام تركناهما .
وقال آخرون : بل أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية ، في سبب قوم كانوا في الجاهلية لا يسعون بينهما ، فلما جاء الإسلام تخوفوا السعي بينهما كما كانوا يتخوفونه في الجاهلية .
ذكر من قال ذلك :
2348 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " الآية ، فكان حي من تهامة في الجاهلية لا يسعون بينهما ، فأخبرهم الله أن الصفا والمروة من شعائر الله ، وكان من سنة
إبراهيم وإسماعيل الطواف بينهما .
2349 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة قال : كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين
الصفا والمروة ، فأنزل الله : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " .
2350 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
الليث قال : حدثني
عقيل ، عن
ابن شهاب قال : حدثني
عروة بن الزبير قال : سألت
عائشة فقلت لها : أرأيت قول الله : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ؟ وقلت
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : والله ما على أحد جناح أن لا يطوف
بالصفا والمروة ؟ فقالت
عائشة : بئس ما قلت يا ابن أختي ، إن هذه الآية لو كانت كما أولتها كانت : لا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، ولكنها إنما أنزلت في
الأنصار : كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة ، الطاغية التي كانوا يعبدون بالمشلل ، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بين
[ ص: 237 ] الصفا والمروة ، فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك - فقالوا : يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين
الصفا والمروة - أنزل الله تعالى ذكره : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " . قالت
عائشة : ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما .
[ ص: 238 ]
2351 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
الزهري ، عن
عروة ، عن
عائشة قالت : كان رجال من
الأنصار ممن يهل لمناة في الجاهلية - و "مناة " صنم بين
مكة والمدينة - قالوا : يا نبي الله ، إنا كنا لا نطوف بين
الصفا والمروة تعظيما لمناة ، فهل علينا من حرج أن نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما" . قال
عروة : فقلت
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : ما أبالي أن لا أطوف بين
الصفا والمروة ! قال الله : "فلا جناح عليه " . قالت : يا ابن أختي ، ألا ترى أنه يقول : "إن الصفا والمروة من شعائر الله "! قال
الزهري : فذكرت ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11947لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال : هذا العلم! قال
أبو بكر : ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين
الصفا والمروة ، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نطوف في الجاهلية بين
الصفا والمروة ، وإن الله قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين
الصفا والمروة ، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "إن الصفا والمروة من شعائر الله " الآية كلها ، قال أبو بكر : فأسمع أن هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما ، في من طاف وفي من لم يطف .
[ ص: 239 ]
2352 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة قال : كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين
الصفا والمروة ، فأنزل الله : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره قد جعل الطواف بين
الصفا والمروة من شعائر الله ، كما جعل الطواف بالبيت من شعائره .
فأما قوله : "
فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، فجائز أن يكون قيل لكلا الفريقين اللذين تخوف بعضهم الطواف بهما من أجل الصنمين اللذين ذكرهما
الشعبي ، وبعضهم من أجل ما كان من كراهتهم الطواف بهما في الجاهلية ، على ما روي عن
عائشة .
[ ص: 240 ]
وأي الأمرين كان من ذلك ، فليس في قول الله تعالى ذكره : "
فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، الآية ، دلالة على أنه عنى به وضع الحرج عمن طاف بهما ، من أجل أن الطواف بهما كان غير جائز بحظر الله ذلك ، ثم جعل الطواف بهما رخصة ، لإجماع الجميع على أن الله تعالى ذكره لم يحظر ذلك في وقت ، ثم رخص فيه بقوله : "
فلا جناح عليه أن يطوف بهما " .
وإنما الاختلاف في ذلك بين أهل العلم على أوجه . فرأى بعضهم أن تارك الطواف بينهما تارك من مناسك حجه ما لا يجزيه منه غير قضائه بعينه ، كما لا يجزي تارك الطواف - الذي هو طواف الإفاضة - إلا قضاؤه بعينه . وقالوا : هما طوافان : أمر الله بأحدهما بالبيت ، والآخر بين الصفا والمروة .
ورأى بعضهم أن تارك الطواف بهما يجزيه من تركه فدية ، ورأوا أن
حكم الطواف بهما حكم رمي بعض الجمرات ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الصدر وما أشبه ذلك ، مما يجزي تاركه من تركه فدية ، ولا يلزمه العود لقضائه بعينه .
ورأى آخرون أن الطواف بهما تطوع ، إن فعله صاحبه كان محسنا ، وإن تركه تارك لم يلزمه بتركه شيء .
ذكر من قال : إن
السعي بين الصفا والمروة واجب ولا يجزي منه فدية ، ومن تركه فعليه العود .
[ ص: 241 ]
2353 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة قالت : لعمري ما حج من لم يسع بين
الصفا والمروة ، لأن الله قال : "إن الصفا والمروة من شعائر الله " .
2353 م - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
مالك بن أنس : من
نسي السعي بين الصفا والمروة حتى يستبعد من
مكة ، فليرجع فليسع ، وإن كان قد أصاب النساء فعليه العمرة والهدي .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول : على من ترك السعي بين
الصفا والمروة حتى رجع إلى بلده ، العود إلى
مكة حتى يطوف بينهما ، لا يجزيه غير ذلك .
2354 - حدثنا بذلك عنه
الربيع .
ذكر من قال : يجزي منه دم ، وليس عليه عود لقضائه .
قال
الثوري بما : -
2355 - حدثني به
علي بن سهل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15942زيد بن أبي الزرقاء ، عنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : إن عاد تارك الطواف بينهما لقضائه فحسن ، وإن لم يعد فعليه دم .
ذكر من قال : الطواف بينهما تطوع ، ولا شيء على من تركه ، ومن كان يقرأ : ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) .
2356 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
عطاء : لو أن حاجا أفاض بعدما رمى
جمرة العقبة ، فطاف بالبيت ولم يسع ، فأصابها - يعني : امرأته - لم يكن عليه شيء ، لا حج ولا عمرة ، من أجل قول الله في مصحف
ابن مسعود : "فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " . فعاودته بعد ذلك فقلت : إنه قد ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ألا تسمعه يقول : "فمن تطوع خيرا " ، فأبى أن يجعل عليه شيئا ؟
2357 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
عبد الملك ،
[ ص: 242 ] عن
عطاء ، عن
ابن عباس أنه كان يقرأ : "إن الصفا والمروة من شعائر الله " الآية "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " .
2358 - حدثني
علي بن سهل قال : حدثنا
مؤمل قال : حدثنا
سفيان ، عن
عاصم قال : سمعت
أنسا يقول : الطواف بينهما تطوع .
2359 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
حجاج قال : حدثنا
حماد قال : أخبرنا
عاصم الأحول قال : قال
أنس بن مالك : هما تطوع .
2360 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد نحوه .
2361 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " قال : فلم يحرج من لم يطف بهما .
2362 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
حجاج قال : حدثنا
أحمد ، عن
عيسى بن قيس ، عن
عطاء ، عن
عبد الله بن الزبير قال : هما تطوع .
[ ص: 243 ]
2364 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
عاصم قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=9لأنس بن مالك : السعي بين
الصفا والمروة تطوع ؟ قال : تطوع .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن الطواف بهما فرض واجب ، وأن على من تركه العود لقضائه ، ناسيا كان ، أو عامدا . لأنه لا يجزيه غير ذلك ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حج بالناس ، فكان مما علمهم من مناسك حجهم الطواف بهما .
ذكر الرواية عنه بذلك :
2365 - حدثني
يوسف بن سلمان قال : حدثنا
حاتم بن إسماعيل قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن
جابر قال : لما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الصفا في حجه قال : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " ، ابدأوا بما بدأ الله بذكره . فبدأ
بالصفا فرقي عليه .
2366 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
محمود بن ميمون أبو الحسن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش ، عن
ابن عطاء ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
إن الصفا والمروة من شعائر الله " ، فأتى
الصفا فبدأ بها ، فقام عليها ، ثم أتى
المروة فقام عليها ، وطاف وسعى .
[ ص: 244 ]
فإذ كان صحيحا بإجماع الجميع من الأمة - أن الطواف بهما على تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في مناسكهم ، وعمله في حجه وعمرته وكان بيانه صلى الله عليه وسلم لأمته جمل ما نص الله في كتابه ، وفرضه في تنزيله ، وأمر به مما لم يدرك علمه إلا ببيانه ، لازما العمل به أمته ، كما قد بينا في كتابنا "كتاب البيان عن أصول الأحكام " - إذا اختلفت الأمة في وجوبه ، ثم كان مختلفا في الطواف بينهما : هل هو واجب أو غير واجب كان بينا وجوب فرضه على من حج أو اعتمر ، لما وصفنا .
وكذلك وجوب
العود لقضاء الطواف بين الصفا والمروة - لما كان مختلفا فيما على من تركه ، مع إجماع جميعهم على أن ذلك مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم إذ علمهم مناسك حجهم - كما طاف بالبيت وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم ، إذ علمهم مناسك حجهم وعمرتهم - وأجمع الجميع على أن الطواف بالبيت لا تجزي منه فدية ولا بدل ، ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه كان نظيرا له الطواف
بالصفا والمروة ، ولا تجزي منه فدية ولا جزاء ، ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه ، إذ كانا كلاهما طوافين : أحدهما بالبيت ، والآخر
بالصفا والمروة .
[ ص: 245 ]
ومن فرق بين حكمهما عكس عليه القول فيه ، ثم سئل البرهان على التفرقة بينهما .
فإن اعتل بقراءة من قرأ : "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " .
قيل : ذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين ، غير جائز لأحد أن يزيد في مصاحفهم ما ليس فيها . وسواء قرأ ذلك كذلك قارئ ، أو قرأ قارئ : (
ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) [ سورة الحج : 29 ] ، "فلا جناح عليهم أن لا يطوفوا به " . فإن جازت إحدى الزيادتين اللتين ليستا في المصحف ، كانت الأخرى نظيرتها ، وإلا كان مجيز إحداهما - إذا منع الأخرى - متحكما ، والتحكم لا يعجز عنه أحد .
وقد روي إنكار هذه القراءة ، وأن يكون التنزيل بها ، عن عائشة .
2367 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
مالك بن أنس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا يومئذ حديث السن : أرأيت قول الله عز وجل : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، فما نرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما! فقالت
عائشة : كلا! لو كانت كما تقول ، كانت : "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " ، إنما أنزلت هذه الآية في
الأنصار ، كانوا يهلون لمناة - وكانت مناة حذو قديد - ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين
الصفا والمروة . فلما جاء الإسلام ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج
[ ص: 246 ] البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " .
قال
أبو جعفر : وقد يحتمل قراءة من قرأ : "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " ، أن تكون "لا " التي مع "أن " ، صلة في الكلام ، إذ كان قد تقدمها جحد في الكلام قبلها ، وهو قوله : (
فلا جناح عليه ) ، فيكون نظير قول الله تعالى ذكره : (
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) [ سورة الأعراف : 12 ] ، بمعنى ما منعك أن تسجد ، وكما قال الشاعر :
ما كان يرضى رسول الله فعلهما والطيبان أبو بكر ولا عمر
ولو كان رسم المصحف كذلك ، لم يكن فيه لمحتج حجة ، مع احتمال الكلام ما وصفنا . لما بينا أن ذلك مما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في مناسكهم ، على ما ذكرنا ، ولدلالة القياس على صحته ، فكيف وهو خلاف رسوم مصاحف المسلمين ، ومما لو قرأه اليوم قارئ كان مستحقا العقوبة لزيادته في كتاب الله عز وجل ما ليس منه ؟