القول في تأويل قوله تعالى : ( اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ( 17 )
إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم ( 18 ) )
يقول - تعالى ذكره - ( اعلموا ) أيها الناس (
أن الله يحيي الأرض ) الميتة التي لا تنبت شيئا ، ( بعد موتها ) يعني : بعد دثورها ودروسها . يقول : وكما نحيي هذه الأرض الميتة بعد دروسها ، كذلك نهدي الإنسان الضال عن الحق إلى الحق ، فنوفقه ونسدده للإيمان حتى يصير مؤمنا من بعد كفره ، ومهتديا
[ ص: 190 ] من بعد ضلاله .
وقوله : (
قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) يقول : قد بينا لكم الأدلة والحجج لتعقلوا .
وقوله : (
إن المصدقين والمصدقات ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار - خلا
ابن كثير وعاصم - بتشديد الصاد والدال بمعنى : إن المتصدقين والمتصدقات ، ثم تدغم التاء في الصاد ، فتجعلها صادا مشددة كما قيل : (
يا أيها المزمل ) يعني المتزمل . وقرأ
ابن كثير وعاصم : " إن المصدقين والمصدقات " بتخفيف الصاد وتشديد الدال بمعنى : إن الذين صدقوا الله ورسوله .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان ، صحيح معنى كل واحدة منهما ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
فتأويل الكلام إذن على قراءة من قرأ ذلك بالتشديد في الحرفين - أعني في الصاد والدال - : أن المتصدقين من أموالهم والمتصدقات (
وأقرضوا الله قرضا حسنا ) يعني : بالنفقة في سبيله ، وفيما أمر بالنفقة فيه ، أو فيما ندب إليه ، (
يضاعف لهم ولهم أجر كريم ) يقول : يضاعف الله لهم قروضهم التي أقرضوها إياه ، فيوفيهم ثوابها يوم القيامة (
ولهم أجر كريم ) يقول : ولهم ثواب من الله على صدقهم ، وقروضهم إياه كريم ، وذلك الجنة .