القول في تأويل قوله تعالى : (
يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ( 12 ) )
يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، إذا ناجيتم رسول الله ، فقدموا أمام نجواكم صدقة تتصدقون بها على أهل المسكنة والحاجة ، (
ذلك خير لكم ) يقول : وتقديمكم الصدقة أمام نجواكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير لكم عند الله ( وأطهر ) لقلوبكم من المآثم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 248 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : (
فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) قال : نهوا عن مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتصدقوا ، فلم يناجه إلا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قدم دينارا فتصدق به ، ثم أنزلت الرخصة في ذلك .
حدثنا
محمد بن عبيد بن محمد المحاربي قال : ثنا
المطلب بن زياد ، عن
ليث ، عن
مجاهد قال : قال
علي - رضي الله عنه - : إن في كتاب الله - عز وجل - لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي : (
يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) قال : فرضت ، ثم نسخت .
حدثني
موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : ثنا
أبو أسامة ، عن
شبل بن عباد ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : (
ياأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) قال : نهوا عن مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتصدقوا ، فلم يناجه إلا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قدم دينارا صدقة تصدق به ، ثم أنزلت الرخصة .
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
ابن إدريس قال : سمعت
ليثا ، عن
مجاهد قال : قال
علي - رضي الله عنه - : آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم ، فكنت إذا جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تصدقت بدرهم ، فنسخت ، فلم يعمل بها أحد قبلي : (
يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) قال :
سأل الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحفوه بالمسألة ، فوعظهم الله بهذه الآية ، وكان الرجل تكون له الحاجة إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يستطيع [ ص: 249 ] أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة ، فاشتد ذلك عليهم ، فأنزل الله - عز وجل - الرخصة بعد ذلك ( فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) .
حدثنا
ابن عبد الأعلى قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) قال : إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار .
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) . . . إلى ( فإن الله غفور رحيم ) قال : كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة ، فلما نزلت الزكاة نسخ هذا .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) وذاك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شقوا عليه ، فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما قال ذلك صبر كثير من الناس ، وكفوا عن المسألة ، فأنزل الله بعد هذا (
فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ، فوسع الله عليهم ، ولم يضيق .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
عثمان بن أبي المغيرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد ، عن
علي بن علقمة الأنماري ، عن
علي قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811084 " ما ترى ؟ دينار " قال : لا يطيقون قال : " نصف دينار ؟ " قال : لا يطيقون قال : " ما ترى ؟ " قال : شعيرة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنك لزهيد " . قال علي - رضي الله عنه - : فبي خفف الله عن هذه الأمة . وقوله : (
إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) ، فنزلت : (
أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ) .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) : لئلا
[ ص: 250 ] يناجي أهل الباطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيشق ذلك على أهل الحق ، قالوا : يا رسول الله ما نستطيع ذلك ولا نطيقه . فقال الله - عز وجل - : (
أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ، وقال : (
لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) من جاء يناجيك في هذا فاقبل مناجاته ، ومن جاء يناجيك في غير هذا فاقطع أنت ذاك عنه لا تناجه . قال : وكان المنافقون ربما ناجوا فيما لا حاجة لهم فيه . فقال الله - عز وجل - : (
ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ) قال : لأن الخبيث يدخل في ذلك .
حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، عن
الحسين ، عن
يزيد ، عن
عكرمة والحسن البصري قالا : قال في المجادلة : (
إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) فنسختها الآية التي بعدها ، فقال : (
أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ) .
وقوله : ( فإن لم تجدوا ) يقول - تعالى ذكره - : فإن لم تجدوا ما تتصدقون به أمام مناجاتكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فإن الله غفور رحيم ) يقول : فإن الله ذو عفو عن ذنوبكم إذا تبتم منها ، رحيم بكم أن يعاقبكم عليها بعد التوبة ، وغير مؤاخذكم بمناجاتكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تقدموا بين يدي نجواكم إياه صدقة .