القول في
تأويل قوله تعالى : ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ( 5 )
لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( 6 ) )
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل
إبراهيم خليله والذين معه : يا ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا بك فجحدوا وحدانيتك ، وعبدوا غيرك ، بأن تسلطهم علينا ، فيروا أنهم على حق ، وأنا على باطل ، فتجعلنا بذلك فتنة لهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) قال : لا تعذبنا بأيديهم ،
[ ص: 320 ] ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) قال : يقول : لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك . يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه .
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) يقول : لا تسلطهم علينا فيفتنونا .
وقوله : (
واغفر لنا ربنا ) يقول : واستر علينا ذنوبنا بعفوك لنا عنها يا ربنا ، ( إنك أنت العزيز الحكيم ) يعني : الشديد الانتقام ممن انتقم منه ، الحكيم يقول : الحكيم في تدبيره خلقه ، وصرفه إياهم فيما فيه صلاحهم .
وقوله : (
لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ) يقول تعالى ذكره : لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة في الذين ذكرهم
إبراهيم والذين معه من الأنبياء صلوات الله عليهم والرسل (
لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) يقول : لمن كان منكم يرجو لقاء الله ، وثواب الله ، والنجاة في اليوم الآخر .
وقوله : (
ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) يقول تعالى ذكره : ومن يتول عما أمره الله به وندبه إليه منكم ومن غيركم ، فأعرض عنه وأدبر مستكبرا ، ووالى أعداء الله ، وألقى إليهم بالمودة ، فإن الله هو الغني عن إيمانه به ، وطاعته إياه ، وعن جميع خلقه ، الحميد عند أهل المعرفة بأياديه ، وآلائه عندهم .