القول في تأويل قوله تعالى : (
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ( 8 ) )
يقول تعالى ذكره : (
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ) من أهل
مكة (
ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ) يقول : وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم ، وبركم بهم .
[ ص: 322 ]
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية ، فقال بعضهم : عني بها الذين كانوا آمنوا
بمكة ولم يهاجروا ، فأذن الله للمؤمنين ببرهم والإحسان إليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ) أن تستغفروا لهم ، (
أن تبروهم وتقسطوا إليهم ) ; قال : وهم الذين آمنوا
بمكة ولم يهاجروا .
وقال آخرون : عني بها من غير أهل
مكة من لم يهاجر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن إبراهيم الأنماطي ، قال : ثنا
هارون بن معروف ، قال : ثنا
بشر بن السري ، قال : ثنا
مصعب بن ثابت ، عن عمه
nindex.php?page=showalam&ids=16281عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، قال : نزلت في
أسماء بنت أبي بكر ، وكانت لها أم في الجاهلية يقال لها
قتيلة ابنة عبد العزى ، فأتتها بهدايا وصناب وأقط وسمن ، فقالت : لا أقبل لك هدية ، ولا تدخلي علي حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك
عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله (
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ) . . . إلى قوله : ( المقسطين ) .
قال : ثنا
إبراهيم بن الحجاج ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ، قال : ثنا
مصعب بن ثابت ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16281عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، قال : قدمت
قتيلة بنت عبد العزى بن سعد من بني مالك بن حسل على ابنتها
أسماء بنت أبي بكر ، فذكر نحوه .
وقال آخرون : بل عني بها من مشركي
مكة من لم يقاتل المؤمنين ، ولم
[ ص: 323 ] يخرجوهم من ديارهم; قال : ونسخ الله ذلك بعد بالأمر بقتالهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد : وسألته عن قول الله عز وجل : ( لا ينهاكم الله ) . . . الآية ، فقال : هذا قد نسخ ، نسخه القتال ، أمروا أن يرجعوا إليهم بالسيوف ، ويجاهدوهم بها ، يضربونهم ، وضرب الله لهم أجل أربعة أشهر ، إما المذابحة ، وإما الإسلام .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : ( لا ينهاكم الله ) . . . الآية ، قال : نسختها (
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عني بذلك : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم ، وتقسطوا إليهم . إن الله عز وجل عم بقوله : (
الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) جميع من كان ذلك صفته ، فلم يخصص به بعضا دون بعض ، ولا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ ، لأن بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب ، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرم ولا منهي عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له ، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح . قد بين صحة ما قلنا في ذلك ، الخبر الذي ذكرناه عن
ابن الزبير في قصة
أسماء وأمها .
وقوله : ( إن الله يحب المقسطين ) يقول : إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس ، ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم ، فيبرون من برهم ، ويحسنون إلى من أحسن إليهم .