القول في تأويل قوله تعالى : (
يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ( 13 ) )
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (
يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ) من
اليهود (
قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (
قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) فقال بعضهم : معنى ذلك : قد يئس هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم من
اليهود من ثواب الله في الآخرة ، وأن يبعثوا ، كما يئس الكفار الأحياء من أمواتهم الذين هم في القبور أن يرجعوا إليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ) . . . الآية ، يعني من مات من الذين كفروا ، فقد يئس الأحياء
[ ص: 347 ] من الذين كفروا أن يرجعوا إليهم ، أو يبعثهم الله .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
منصور بن زاذان ، عن
الحسن أنه قال في هذه الآية : (
قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) قال : الكفار الأحياء قد يئسوا من الأموات .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
قد يئسوا من الآخرة ) يقول : يئسوا أن يبعثوا كما يئس الكفار أن ترجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة ) . . . الآية ، الكافر لا يرجو لقاء ميته ولا أجره .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) يقول من مات من الذين كفروا فقد يئس الأحياء منهم أن يرجعوا إليهم ، أو يبعثهم الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قد يئسوا من الآخرة أن يرحمهم الله فيها ، ويغفر لهم ، كما يئس الكفار الذين هم أصحاب قبور قد ماتوا وصاروا إلى القبور من رحمة الله وعفوه عنهم في الآخرة ، لأنهم قد أيقنوا بعذاب الله لهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، عن
شعبة ، عن
الحكم ، عن
مجاهد ، في هذه الآية (
قد يئسوا من الآخرة ) . . . الآية . قال : أصحاب القبور الذين في القبور قد يئسوا من الآخرة .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثني
عيسى; [ ص: 348 ] وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) قال : من ثواب الآخرة حين تبين لهم عملهم ، وعاينوا النار .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد ، قال : ثنا
شعبة ، عن
سماك ، عن
عكرمة أنه قال في هذه الآية (
قد يئسوا من الآخرة ) . . . الآية ، قال : أصحاب القبور قد يئسوا من الآخرة .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، قال : قال
الكلبي : قد يئسوا من الآخرة ،
يعني اليهود والنصارى ، يقول : قد يئسوا من ثواب الآخرة وكرامتها ، كما يئس الكفار الذين قد ماتوا فهم في القبور من الجنة حين رأوا مقعدهم من النار .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قول الله (
لا تتولوا قوما ) . . . الآية ، قال : قد يئس هؤلاء الكفار من أن تكون لهم آخرة ، كما يئس الكفار الذين ماتوا - الذين في القبور - من أن تكون لهم آخرة ، لما عاينوا من أمر الآخرة ، فكما يئس أولئك الكفار ، كذلك يئس هؤلاء الكفار; قال : والقوم الذين غضب الله عليهم : يهود ، هم الذين يئسوا من أن تكون لهم آخرة ، كما يئس الكفار قبلهم من أصحاب القبور ، لأنهم قد علموا كتاب الله وأقاموا على الكفر به ، وما صنعوا وقد علموا .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، في قوله : (
يئسوا من الآخرة ) . . . الآية ، قال : قد يئسوا أن يكون لهم ثواب الآخرة ، كما يئس من في القبور من الكفار من الخير ، حين عاينوا العذاب والهوان .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : قد يئس هؤلاء الذين غضب الله عليهم من
اليهود من ثواب الله لهم في الآخرة ، وكرامته لكفرهم وتكذيبهم رسوله
محمدا صلى الله عليه وسلم على علم منهم بأنه لله نبي ، كما يئس الكفار منهم الذين مضوا قبلهم فهلكوا ، فصاروا أصحاب القبور ، وهم
[ ص: 349 ] على مثل الذي هؤلاء عليه من تكذيبهم
عيسى; صلوات الله عليه وغيره من الرسل ، من ثواب الله وكرامته إياهم .
وإنما قلنا ذلك أولى القولين بتأويل الآية ، لأن الأموات قد يئسوا من رجوعهم إلى الدنيا ، أو أن يبعثوا قبل قيام الساعة - المؤمنون والكفار - فلا وجه لأن يخص بذلك الخبر عن الكفار ، وقد شركهم في الإياس من ذلك المؤمنون .
آخر تفسير سورة الممتحنة .