[ ص: 377 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ( 5 ) )
يقول تعالى ذكره : مثل الذين أوتوا التوراة من
اليهود والنصارى ، فحملوا العمل بها (
ثم لم يحملوها ) يقول : ثم لم يعملوا بما فيها ، وكذبوا
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أمروا بالإيمان به فيها واتباعه والتصديق به (
كمثل الحمار يحمل أسفارا ) يقول : كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبا من كتب العلم ، لا ينتفع بها ، ولا يعقل ما فيها ، فكذلك الذين أوتوا التوراة التي فيها بيان أمر
محمد صلى الله عليه وسلم ، مثلهم إذا لم ينتفعوا بما فيها ، كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا فيها علم ، فهو لا يعقلها ولا ينتفع بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : ( يحمل أسفارا ) قال : يحمل كتبا لا يدري ما فيها ، ولا يعقلها .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ) قال : يحمل كتابا لا يدري ماذا عليه ، ولا ماذا فيه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
كمثل الحمار يحمل أسفارا ) قال : كمثل الحمار الذي يحمل كتبا ، لا يدري ما على ظهره .
[ ص: 378 ]
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
كمثل الحمار يحمل أسفارا ) كتبا ، والكتاب بالنبطية يسمى سفرا; ضرب الله هذا مثلا للذين أعطوا التوراة ثم كفروا .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ) والأسفار : الكتب ، فجعل الله مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يتبع ما فيه ، كمثل الحمار يحمل كتاب الله الثقيل ، لا يدري ما فيه ، ثم قال : (
بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ) . . . الآية .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قول الله : (
كمثل الحمار يحمل أسفارا ) قال : الأسفار : التوراة التي يحملها الحمار على ظهره ، كما تحمل المصاحف على الدواب ، كمثل الرجل يسافر فيحمل مصحفه ، قال : فلا ينتفع الحمار بها حين يحملها على ظهره ، كذلك لم ينتفع هؤلاء بها حين لم يعملوا بها وقد أوتوها ، كما لم ينتفع بها هذا وهي على ظهره .
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي عن
ابن عباس في قوله : (
كمثل الحمار يحمل أسفارا ) يقول : كتبا . والأسفار : جمع سفر ، وهي الكتب العظام .
وقوله : (
بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ) يقول : بئس هذا المثل ، مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ، يعني بأدلته وحججه (
والله لا يهدي القوم الظالمين ) يقول تعالى ذكره : والله لا يوفق القوم الذين ظلموا أنفسهم ، فكفروا بآيات ربهم .