القول في تأويل قوله تعالى : (
ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ( 14 )
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ( 15 ) )
يقول تعالى ذكره : ( ألا يعلم ) الرب جل ثناؤه ( من خلق ) من خلقه؟ يقول : كيف يخفى عليه خلقه الذي خلق ( وهو اللطيف ) بعباده ( الخبير ) بهم وبأعمالهم .
وقوله : (
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا )
يقول تعالى ذكره : الله الذي جعل لكم الأرض ذلولا سهلا سهلها لكم (
فامشوا في مناكبها ) .
اختلف أهل العلم في معنى ( مناكبها ) فقال بعضهم : مناكبها : جبالها .
[ ص: 512 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
في مناكبها ) يقول : جبالها .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الأعلى ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
بشير بن كعب أنه قرأ هذه الآية (
فامشوا في مناكبها ) فقال لجارية له : إن دريت ما مناكبها ، فأنت حرة لوجه الله ; قالت : فإن مناكبها : جبالها ، فكأنما سفع في وجهه ، ورغب في جاريته ، فسأل . منهم من أمره ، ومنهم من نهاه ، فسأل
أبا الدرداء ، فقال : الخير في طمأنينة ، والشر في ريبة ، فذر ما يريبك إلى ما لا يريبك .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن
قتادة ، عن
بشير بن كعب ، بمثله سواء .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فامشوا في مناكبها ) : جبالها .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : ( في مناكبها ) قال : في جبالها .
وقال آخرون : ( مناكبها ) : أطرافها ونواحيها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
فامشوا في مناكبها ) يقول : امشوا في أطرافها .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=15545بشير بن كعب العدوي ، قرأ هذه الآية (
فامشوا في مناكبها ) فقال لجاريته : إن أخبرتني ما مناكبها ، فأنت حرة ، فقالت : نواحيها ; فأراد أن يتزوجها ، فسأل
أبا الدرداء ، فقال : إن الخير في طمأنينة ، وإن الشر في ريبة ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
فامشوا في مناكبها ) قال : طرقها وفجاجها .
[ ص: 513 ]
وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فامشوا في نواحيها وجوانبها ، وذلك أن نواحيها نظير مناكب الإنسان التي هي من أطرافه .
وقوله : (
وكلوا من رزقه ) يقول : وكلوا من رزق الله الذي أخرجه لكم من مناكب الأرض ، (
وإليه النشور ) يقول تعالى ذكره : وإلى الله نشركم من قبوركم .