القول في تأويل
قوله تعالى : ( وإنك لعلى خلق عظيم ( 4 )
فستبصر ويبصرون ( 5 )
بأيكم المفتون ( 6 )
إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( 7 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : وإنك يا
محمد لعلى أدب عظيم ، وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به ، وهو الإسلام وشرائعه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 529 ]
ذكر من قال ذلك .
حدثني
علي قال ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وإنك لعلى خلق عظيم ) يقول : دين عظيم .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وإنك لعلى خلق عظيم ) يقول : إنك على دين عظيم ، وهو الإسلام .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال . ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال ثنا
الحسن . قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
خلق عظيم ) قال : الدين .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قال : سألت
عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خلقه القرآن ، تقول : كما هو في القرآن .
حدثنا
بشر ، قال . ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وإنك لعلى خلق عظيم ) ذكر لنا أن
سعيد بن هشام سأل
عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ألست تقرأ القرآن؟ قال : قلت : بلى ، قالت : فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن .
حدثنا
عبيد بن آدم بن أبي إياس ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا
المبارك بن فضالة ، عن
الحسن ، عن
سعيد بن هشام ، قال : أتيت
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، فقلت : أخبريني عن خلق رسول الله ، فقالت : كان خلقه القرآن ، أما تقرأ : (
وإنك لعلى خلق عظيم ) .
أخبرنا
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرني
معاوية بن صالح ، عن
أبى الزاهرية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير قال : حججت فدخلت على
عائشة ، فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن .
حدثنا
عبيد بن أسباط ، قال : ثني أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16796فضيل بن مرزوق ، عن
عطية ، في قوله : (
وإنك لعلى خلق عظيم ) قال : أدب القرآن .
[ ص: 530 ]
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وإنك لعلى خلق عظيم ) قال : على دين عظيم .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول ، في قوله : (
لعلى خلق عظيم ) يعني دينه ، وأمره الذي كان عليه ، مما أمره الله به ، ووكله إليه .
وقوله : (
فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون ) يقول تعالى ذكره : فسترى يا
محمد ، ويرى مشركو قومك الذين يدعونك مجنونا (
بأيكم المفتون ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
فستبصر ويبصرون ) يقول : ترى ويرون .
وقوله : (
بأيكم المفتون ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : تأويله : بأيكم المجنون ، كأنه وجه معنى الباء في قوله : (
بأيكم ) إلى معنى في . وإذا وجهت الباء إلى معنى "في" كان تأويل الكلام : ويبصرون في أي الفريقين المجنون ، في فريقك يا
محمد أو فريقهم ، ويكون المجنون اسما مرفوعا بالباء .
ذكر من قال : معنى ذلك : بأيكم المجنون .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
ليث ، عن
مجاهد : بأيكم المفتون ، قال : المجنون .
قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
خصيف ، عن
مجاهد (
بأيكم المفتون ) قال : بأيكم المجنون .
وقال آخرون : بل تأويل ذلك : بأيكم الجنون; وكأن الذين قالوا هذا القول وجهوا المفتون إلى معنى الفتنة أو المفتون ، كما قيل : ليس له معقول ولا معقود ، أي بمعنى ليس له عقل ولا عقد رأي ، فكذلك وضع المفتون موضع الفتون .
ذكر من قال : المفتون بمعنى المصدر ، وبمعنى الجنون :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
[ ص: 531 ] الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
بأيكم المفتون ) قال : الشيطان .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك ، يقول في قوله : (
بأيكم المفتون ) يعني الجنون .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس يقول : بأيكم الجنون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أيكم
[ ص: 532 ] أولى بالشيطان; فالباء على قول هؤلاء زيادة ، دخولها وخروجها سواء ، ومثل هؤلاء ذلك بقول الراجز :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
بمعنى : نرجو الفرج ، فدخول الباء في ذلك عندهم في هذا الموضع وخروجها سواء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون ) يقول : بأيكم أولى بالشيطان .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
بأيكم المفتون ) قال : أيكم أولى بالشيطان .
واختلف أهل العربية في ذلك نحو اختلاف أهل التأويل ، فقال بعض نحويي
البصرة : معنى ذلك : فستبصر ويبصرون أيكم المفتون . وقال بعض نحويي
الكوفة : بأيكم المفتون ها هنا ، بمعنى الجنون ، وهو في مذهب الفتون ، كما قالوا : ليس له معقول ولا معقود; قال : وإن شئت جعلت "بأيكم" : "في أيكم" في أي الفريقين المجنون; قال : وهو حينئذ اسم ليس بمصدر .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك : بأيكم الجنون ، ووجه المفتون إلى الفتون بمعنى المصدر ، لأن ذلك أظهر معاني الكلام ، إذا لم ينو إسقاط الباء ، وجعلنا لدخولها وجها مفهوما .
وقد بينا أنه غير جائز أن يكون في القرآن شيء لا معنى له .
وقوله : (
إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ) يقول تعالى ذكره : إن ربك يا
محمد هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، كضلال كفار
قريش عن دين الله ، وطريق الهدى (
وهو أعلم بالمهتدين ) يقول : وهو أعلم بمن اهتدى ، فاتبع الحق ، وأقر به ، كما اهتديت أنت فاتبعت الحق ، وهذا من معاريض الكلام . وإنما معنى الكلام : إن ربك هو أعلم يا
محمد بك ، وأنت المهتدي ، وبقومك من كفار
قريش وأنهم الضالون عن سبيل الحق .