القول في تأويل
قوله تعالى : ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( 44 )
وأملي لهم إن كيدي متين ( 45 )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : كل يا
محمد أمر هؤلاء المكذبين بالقرآن إلي ، وهذا كقول القائل لآخر غيره يتوعد رجلا : دعني وإياه ، وخلني وإياه ، بمعنى أنه من وراء مساءته . و "من" في قوله : (
ومن يكذب بهذا الحديث ) في موضع نصب ، لأن معنى الكلام ما ذكرت ، وهو نظير قولهم : لو تركت ورأيك ما أفلحت . والعرب تنصب : ورأيك ، لأن معنى الكلام : لو وكلتك إلى رأيك لم تفلح .
وقوله : (
سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) يقول جل ثناؤه : سنكيدهم من حيث لا يعلمون ، وذلك بأن يمتعهم بمتاع الدنيا حتى يظنوا أنهم متعوا به بخير لهم عند الله ، فيتمادوا في طغيانهم ، ثم يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون .
وقوله : (
وأملي لهم إن كيدي متين ) يقول تعالى ذكره : وأنسأ في آجالهم
[ ص: 562 ] ملاوة من الزمان ، وذلك برهة من الدهر على كفرهم وتمردهم على الله لتتكامل حجج الله عليهم (
إن كيدي متين ) يقول : إن كيدي بأهل الكفر قوي شديد .