القول في تأويل
قوله تعالى : ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ( 48 )
لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ( 49 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : فاصبر يا
محمد لقضاء ربك وحكمه فيك ، وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن وهذا الدين ، وامض لما أمرك به ربك ، ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك ، وأذاهم لك .
وقوله : (
ولا تكن كصاحب الحوت ) الذي حبسه في بطنه ، وهو
يونس بن متى صلى الله عليه وسلم ، فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك ، كما عاقبه فحبسه في بطنه : (
إذ نادى وهو مكظوم ) يقول : إذ نادى وهو مغموم ، قد أثقله الغم وكظمه .
كما حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، [ ص: 563 ] عن
ابن عباس ، قوله : (
إذ نادى وهو مكظوم ) يقول : مغموم .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
مكظوم ) قال : مغموم .
وكان
قتادة يقول في قوله : (
ولا تكن كصاحب الحوت ) : لا تكن مثله في العجلة والغضب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ) يقول : لا تعجل كما عجل ، ولا تغضب كما غضب .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، مثله .
وقوله : (
لولا أن تداركه نعمة من ربه ) يقول جل ثناؤه : لولا أن تدارك صاحب الحوت نعمة من ربه ، فرحمه بها ، وتاب عليه من مغاضبته ربه (
لنبذ بالعراء ) وهو الفضاء من الأرض : ومنه قول
قيس بن جعدة :
ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي
(
وهو مذموم ) اختلف أهل التأويل في معنى قوله : (
وهو مذموم ) فقال بعضهم : معناه وهو مليم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثني
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
وهو مذموم ) يقول : وهو مليم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وهو مذنب
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
المعتمر ، عن أبيه عن
بكر (
وهو مذموم )
[ ص: 564 ] قال : هو مذنب .