القول في تأويل
قوله تعالى : ( كلا إنها لظى ( 15 )
نزاعة للشوى ( 16 )
تدعو من أدبر وتولى ( 17 )
وجمع فأوعى ( 18 ) )
[ ص: 607 ]
يقول تعالى ذكره : كلا ليس ذلك كذلك ، ليس ينجيه من عذاب الله شيء . ثم ابتدأ الخبر عما أعده له هنالك جل ثناؤه ، فقال : (
إنها لظى ) ولظى : اسم من أسماء جهنم ، ولذلك لم يجر .
واختلف أهل العربية في موضعها ، فقال بعض نحويي
البصرة : موضعها نصب على البدل من الهاء ، وخبر إن : (
نزاعة ) ; قال : وإن شئت جعلت "لظى" رفعا على خبر إن ، ورفعت (
نزاعة ) على الابتداء ، وقال بعض من أنكر ذلك : لا ينبغي أن يتبع الظاهر المكنى إلا في الشذوذ; قال : والاختيار (
إنها لظى نزاعة للشوى ) "لظى" : الخبر ، و : "نزاعة" حال ، قال : ومن رفع استأنف ، لأنه مدح أو ذم ، قال : ولا تكون ابتداء إلا كذلك .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن (
لظى ) الخبر ، و (
نزاعة ) ابتداء ، فلذلك رفع ، ولا يجوز النصب في القراءة لإجماع قراء الأمصار على رفعها ، ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب; وإن كان للنصب في العربية وجه; وقد يجوز أن تكون الهاء من قوله : "إنها" عمادا ، و : "لظى" مرفوعة ب "نزاعة" و : "نزاعة" ب "لظى" كما يقال : إنها هند قائمة ، وإنه هند قائمة ، والهاء عماد في الوجهين .
وقوله : (
نزاعة للشوى ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظى : إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن ، والشوى : جمع شواة ، وهي من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا ، يقال : رمى فأشوى ، إذا لم يصب مقتلا ، فربما وصف الواصف بذلك جلدة الرأس ، كما قال
الأعشى :
قالت قتيلة ما له قد جللت شيبا شواته
وربما وصف بذلك الساق ، كقولهم في صفة الفرس :
عبل الشوى نهد الجزاره
[ ص: 608 ]
يعني بذلك قوائمه ، وأصل ذلك كله ما وصفت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
سليمان بن عبد الجبار ، قال : ثنا
محمد بن الصلت ، قال : ثنا
أبو كدينة ، عن
قابوس ، عن أبيه ، قال : سألت
ابن عباس عن : (
نزاعة للشوى ) : قال : تنزع أم الرأس .
حدثنا
إسحاق بن إبراهيم الصواف ، قال : ثنا
الحسين بن الحسن الأشقر ، قال : ثنا
يحيى بن مهلب أبو كدينة ، عن
قابوس ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
نزاعة للشوى ) قال : تنزع الرأس .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
نزاعة للشوى ) : يعني الجلود والهام .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
نزاعة للشوى ) قال : لجلود الرأس .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
إبراهيم بن المهاجر ، قال :
[ ص: 609 ] سألت
سعيد بن جبير عن قوله : (
نزاعة للشوى ) فلم يخبر ، فسألت عنها مجاهدا ، فقلت : اللحم دون العظم؟ فقال : نعم .
قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي صالح (
نزاعة للشوى ) قال : لحم الساق .
حدثني
محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا
قبيصة بن عقبة السوائي ، قال : ثنا
سفيان ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح في قوله : (
نزاعة للشوى ) قال : نزاعة للحم الساقين .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
خارجة ، عن
قرة بن خالد ، عن
الحسن (
نزاعة للشوى ) قال : للهام تحرق كل شيء منه ، ويبقى فؤاده نضيجا .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
أبو عامر ، قال : ثنا
قرة ، عن
الحسن ، في قوله : (
نزاعة للشوى ) ثم ذكر نحوه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
نزاعة للشوى ) : أي نزاعة لهامته ومكارم خلقه وأطرافه .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
نزاعة للشوى ) : تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
نزاعة للشوى ) قال : الشوى : الآراب العظام ، ذاك الشوى .
وقوله : (
نزاعة ) قال : تقطع عظامهم كما ترى ، ثم يجدد خلقهم ، وتبدل جلودهم .
وقوله : (
تدعو من أدبر وتولى ) يقول : تدعو "لظى" إلى نفسها من أدبر في الدنيا عن طاعة الله وتولى عن الإيمان بكتابه ورسله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
تدعو من أدبر وتولى ) قال : عن طاعة الله ، ( وتولى ) قال : عن كتاب الله ، وعن حقه .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
تدعو من أدبر وتولى ) قال : عن الحق .
[ ص: 610 ]
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
تدعو من أدبر وتولى ) قال : ليس لها سلطان إلا على هوان من كفر وتولى وأدبر عن الله ، فأما من آمن بالله ورسوله ، فليس لها عليه سلطان .
وقوله : (
وجمع فأوعى ) يقول : وجمع مالا فجعله في وعاء ، ومنع حق الله منه ، فلم يزك ولم ينفق فيما أوجب الله عليه إنفاقه فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
وجمع فأوعى ) قال : جمع المال .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17029محمد بن منصور الطوسي ، قال : ثنا
أبو قطن ، قال : ثنا
المسعودي ، عن
الحكم ، قال : كان
عبد الله بن عكيم ، لا يربط كيسه ، يقول : سمعت الله يقول : (
وجمع فأوعى ) .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وجمع فأوعى ) كان جموعا قموما للخبيث .