القول في تأويل
قوله تعالى : ( إن الإنسان خلق هلوعا ( 19 )
إذا مسه الشر جزوعا ( 20 )
وإذا مسه الخير منوعا ( 21 )
إلا المصلين ( 22 )
الذين هم على صلاتهم دائمون ( 23 ) )
يقول تعالى ذكره : ( إن الإنسان ) الكافر (
خلق هلوعا ) والهلع : شدة الجزع مع شدة الحرص والضجر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
إن الإنسان خلق هلوعا ) قال : هو الذي قال الله
[ ص: 611 ] (
إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ) ويقال : الهلوع : هو الجزوع الحريص ، وهذا في أهل الشرك .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن يمان ، عن
أشعث بن إسحاق ، عن
جعفر بن أبي المغيرة ، عن
سعيد بن جبير (
إن الإنسان خلق هلوعا ) قال : شحيحا جزوعا .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل بن أبي خالد عن
عكرمة (
إن الإنسان خلق هلوعا ) قال : ضجورا .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول : ( إن الإنسان ) يعني الكافر ، (
خلق هلوعا ) يقول : هو بخيل منوع للخير ، جزوع إذا نزل به البلاء ، فهذا الهلوع .
حدثنا
يحيى بن حبيب بن عربي ، قال : ثنا
خالد بن الحارث ، قال : ثنا
شعبة ، عن
حصين ، قال
يحيى ، قال
خالد : وسألت
شعبة عن قوله : (
إن الإنسان خلق هلوعا ) فحدثني شعبة عن حصين أنه قال : الهلوع : الحريص .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
ابن أبي عدي ، عن
شعبة ، قال : سألت حصينا عن هذه الآية : (
إن الإنسان خلق هلوعا ) قال : حريصا .
حدثنا
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
إن الإنسان خلق هلوعا ) قال : الهلوع : الجزوع .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
خلق هلوعا ) قال : جزوعا .
وقوله : (
إذا مسه الشر جزوعا ) يقول : إذا قل ماله وناله الفقر والعدم فهو جزوع من ذلك ، لا صبر له عليه : (
وإذا مسه الخير منوعا ) يقول : وإذا كثر ماله ، ونال الغنى فهو منوع لما في يده ، بخيل به ، لا ينفقه في طاعة الله ، ولا يؤدي حق الله منه .
وقوله : (
إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ) يقول : إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة ، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا ، فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا ، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلي لله .
[ ص: 612 ]
وقيل : عني بقوله : (
إلا المصلين ) المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم; وقيل : عني به كل من صلى الخمس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ومؤمل ، قالا ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
إبراهيم (
الذين هم على صلاتهم دائمون ) قال : المكتوبة .
حدثني
زريق بن السخب ، قال : ثنا
معاوية بن عمرو ، قال : ثنا
زائدة ، عن
منصور ، عن
إبراهيم (
الذين هم على صلاتهم دائمون ) قال : الصلوات الخمس .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
إن الإنسان خلق هلوعا ) إلى قوله : (
دائمون ) ذكر لنا أن
دانيال نعت أمة
محمد صلى الله عليه وسلم قال : يصلون صلاة لو صلاها
قوم نوح ما غرقوا ، أو
عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم ، أو
ثمود ما أخذتهم الصيحة ، فعليكم بالصلاة فإنها خلق للمؤمنين حسن .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
إبراهيم (
على صلاتهم دائمون ) قال : الصلاة المكتوبة .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : (
الذين هم على صلاتهم دائمون ) قال : هؤلاء المؤمنون الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم على صلاتهم دائمون .
قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرنا
حيوة ، عن
يزيد بن أبي حبيب ، عن
أبي الخير أنه سأل
عقبة بن عامر الجهني ، عن : (
الذين هم على صلاتهم دائمون ) قال : هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا خلفهم ، ولا عن أيمانهم ، ولا عن شمائلهم .
حدثني
العباس بن الوليد ، قال : أخبرنا أبي ، قال : ثنا
الأوزاعي ، قال : ثني
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، قال : ثني
أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال : حدثتني
عائشة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=811119خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا " قالت : وكان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه . قال : يقول أبو سلمة : إن الله يقول : (
الذين هم على صلاتهم دائمون ) .