القول في تأويل
قوله تعالى : ( والله جعل لكم الأرض بساطا ( 19 )
لتسلكوا منها سبلا فجاجا ( 20 )
قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ( 21 )
ومكروا مكرا كبارا ( 22 ) )
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل
نوح لقومه ، مذكرهم نعم ربه : (
والله جعل لكم الأرض بساطا ) تستقرون عليها وتمتهدونها .
وقوله : (
لتسلكوا منها سبلا فجاجا ) يقول : لتسلكوا منها طرقا صعابا متفرقة; والفجاج : جمع فج ، وهو الطريق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 638 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
لتسلكوا منها سبلا فجاجا ) قال : طرقا وأعلاما .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
لتسلكوا منها سبلا فجاجا ) قال : طرقا .
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
لتسلكوا منها سبلا فجاجا ) يقول : طرقا مختلفة .
وقوله : (
قال نوح رب إنهم عصوني ) فخالفوا أمري ، وردوا علي ما دعوتهم إليه من الهدى والرشاد (
واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ) يقول : واتبعوا في معصيتهم إياي من دعاهم إلى ذلك ، ممن كثر ماله وولده ، فلم تزده كثرة ماله وولده إلا خسارا ، بعدا من الله ، وذهابا عن محجة الطريق .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( وولده ) فقرأته عامة قراء
المدينة : ( وولده ) بفتح الواو واللام ، وكذلك قرءوا ذلك في جميع القرآن . وقرأ ذلك عامة قراء
الكوفة بضم الواو وسكون اللام ، وكذلك كل ما كان من ذكر الولد من سورة مريم إلى آخر القرآن . وقرأ
أبو عمرو كل ما في القرآن من ذلك بفتح الواو واللام في غير هذا الحرف الواحد في سورة نوح ، فإنه كان يضم الواو منه .
والصواب من القول عندنا في ذلك ، أن كل هذه القراءات قراءات معروفات ، متقاربات المعاني ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : (
ومكروا مكرا كبارا ) يقول : ومكروا مكرا عظيما .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
كبارا ) قال : عظيما .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ومكروا مكرا كبارا ) كثيرا ، كهيئة قوله : (
لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) والكبار هو
[ ص: 639 ] الكبير ، كما قال
ابن زيد ، تقول العرب : أمر عجيب وعجاب بالتخفيف ، وعجاب بالتشديد; ورجل حسان وحسان ، وجمال وجمال بالتخفيف والتشديد ، وكذلك كبير وكبار بالتخفيف والتشديد .