القول في تأويل قوله تعالى :
[ ص: 641 ] (
مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ( 25 )
وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( 26 ) )
يعني تعالى ذكره بقوله : (
مما خطيئاتهم ) من خطيئاتهم (
أغرقوا ) والعرب تجعل "ما" صلة فيما نوي به مذهب الجزاء ، كما يقال : أينما تكن أكن ، وحيثما تجلس أجلس ، ومعنى الكلام : من خطيئاتهم أغرقوا .
وكان
ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
مما خطيئاتهم ) قال : فبخطيئاتهم (
أغرقوا ) فأدخلوا نارا ، وكانت الباء ههنا فصلا في كلام العرب .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، قوله : (
مما خطيئاتهم أغرقوا ) قال : بخطيئاتهم أغرقوا .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
مما خطيئاتهم ) فقرأته عامة قراء الأمصار غير
أبي عمرو (
مما خطيئاتهم ) بالهمز والتاء ، وقرأ ذلك
أبو عمرو "مما خطاياهم" بالألف بغير همز .
والقول عندنا أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب .
وقوله : (
فأدخلوا نارا ) جهنم (
فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) تقتص لهم ممن فعل ذلك بهم ، ولا تحول بينهم وبين ما فعل بهم .
وقوله : (
وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ويعني بالديار : من يدور في الأرض ، فيذهب ويجيء فيها ، وهو فيعال من الدوران ديوارا ، اجتمعت الياء والواو ، فسبقت الياء الواو وهي ساكنة ، وأدغمت الواو فيها ، وصيرتا ياء مشددة ، كما قيل : الحي القيام ، من قمت ، وإنما هو قيوام ، والعرب تقول : ما بها ديار ولا عريب ، ولا دوي ولا صافر ، ولا نافخ ضرمة ، يعني بذلك كله : ما بها أحد .