القول في تأويل
قوله تعالى : ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا )
رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ( 28 ) )
[ ص: 642 ] يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل
نوح في دعائه إياه على قومه : إنك يا رب إن تذر الكافرين أحياء على الأرض ، ولم تهلكهم بعذاب من عندك (
يضلوا عبادك ) الذين قد آمنوا بك ، فيصدوهم عن سبيلك ، (
ولا يلدوا إلا فاجرا ) في دينك (
كفارا ) لنعمتك .
وذكر أن قيل
نوح هذا القول ودعاءه هذا الدعاء ، كان بعد أن أوحى إليه ربه : (
أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، في قوله : (
رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء (
أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) فعند ذلك دعا عليهم نبي الله
نوح فقال : (
رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) ثم دعاه دعوة عامة فقال : (
رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ) . . . إلى قوله : (
تبارا ) .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، قال : تلا
قتادة (
لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ثم ذكره نحوه .
وقوله : (
رب اغفر لي ولوالدي ) يقول : رب اعف عني ، واستر علي ذنوبي وعلى والدي (
ولمن دخل بيتي مؤمنا ) يقول : ولمن دخل مسجدي ومصلاي مصليا مؤمنا ، يقول : مصدقا بواجب فرضك عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر بن آدم ، قال : ثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي سنان ، عن
الضحاك (
ولمن دخل بيتي مؤمنا ) قال : مسجدي .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
أبي سلمة ، عن
أبي سنان سعيد ، عن
الضحاك مثله .
[ ص: 643 ]
وقوله : (
وللمؤمنين والمؤمنات ) يقول : وللمصدقين بتوحيدك والمصدقات .
وقوله : (
ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) يقول : ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم إلا خسارا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
إلا تبارا ) قال : خسارا .
وقد بينت معنى قول القائل : "تبرت" فيما مضى بشواهده ، وذكرت أقوال أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، قال : قال
معمر : ثنا
الأعمش ، عن
مجاهد ، قال : كانوا يضربون
نوحا حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
آخر تفسير سورة نوح صلى الله عليه وسلم .