القول في تأويل
قوله تعالى : ( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ( 4 )
وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ( 5 )
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ( 6 ) )
يقول عز وجل مخبرا عن قيل النفر من الجن الذين استمعوا القرآن (
وأنه كان يقول سفيهنا ) وهو إبليس .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
أنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) وهو إبليس .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن رجل من المكيين ، عن
مجاهد (
سفيهنا على الله شططا ) قال : إبليس . ثم قال
سفيان : سمعت أن الرجل إذا سجد جلس إبليس يبكي يقول : يا ويله ، أمر بالسجود فعصى ، فله النار ، وأمر ابن آدم بالسجود فسجد ، فله الجنة .
حدثني
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، قال : تلا
قتادة : (
وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ) فقال : عصاه والله سفيه الجن ، كما عصاه سفيه الإنس .
وأما الشطط من القول ، فإنه ما كان تعديا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 654 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : ثنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) قال : ظلما .
وقوله : (
وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ) يقول : قالوا : وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجن على الله كذبا من القول ، والظن هاهنا بمعنى الشك ، وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجن أن تكون علمت أن أحدا يجترئ على الكذب على الله لما سمعت القرآن ، لأنهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب الله الزاعمين أن لله صاحبة وولدا ، وغير ذلك من معاني الكفر كانوا يحسبون أن إبليس صادق فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف الكفر; فلما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذبا في كل ذلك ، فلذلك قالوا : (
وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) فسموه سفيها .
وقوله : (
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر : وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم .
وكان ذلك من فعلهم فيما ذكر لنا ، كالذي حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) قال : كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي ، فزادهم ذلك إثما .
حدثنا
الحسن بن عرفة ، قال : ثنا
هشيم ، عن
عوف ، عن
الحسن ، في قوله : (
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) قال : كان الرجل منهم إذا نزل الوادي فبات به ، قال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
إبراهيم في قوله : (
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه ، فتقول الجن : ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرا ولا نفعا .
قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
إبراهيم ، في قوله : (
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) قال : كانوا في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا : نعوذ
[ ص: 655 ] بسيد هذا الوادي ، فيقول الجنيون : تتعوذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا !
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
يعوذون برجال من الجن ) قال : كانوا يقولون إذا هبطوا واديا : نعوذ بعظماء هذا الوادي .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) ذكر لنا أن هذا الحي من العرب كانوا إذا نزلوا بواد قالوا : نعوذ بأعز أهل هذا المكان; قال الله : (
فزادوهم رهقا ) : أي إثما ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة .
[ ص: 656 ]
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
يعوذون برجال من الجن ) كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلا يقولون : نعوذ بأعز أهل هذا المكان .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع بن أنس (
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) قال : كانوا يقولون : فلان من الجن رب هذا الوادي ، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ برب الوادي من دون الله ، قال : فيزيده بذلك رهقا ، وهو الفرق .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) قال كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد قبل الإسلام قال : إني أعوذ بكبير هذا الوادي ، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم .
وقوله : (
فزادوهم رهقا ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فزاد الإنس بالجن باستعاذتهم بعزيزهم ، جراءة عليهم ، وازدادوا بذلك إثما .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
فزادوهم رهقا ) فزادهم ذلك إثما .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : قال الله : (
فزادوهم رهقا ) : أي إثما ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
فزادوهم رهقا ) يقول : خطيئة .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
إبراهيم (
فزادوهم رهقا ) قال : فيزدادون عليهم جراءة .
قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
إبراهيم (
فزادوهم رهقا ) قال : ازدادوا عليهم جراءة .
وقال آخرون : بل عني بذلك أن الكفار زادوا بذلك طغيانا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
فزادوهم رهقا ) قال : زاد الكفار طغيانا .
وقال آخرون : بل عني بذلك : فزادوهم فرقا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
أبي جعفر ، عن
الربيع بن أنس (
فزادوهم رهقا ) قال : فيزيدهم ذلك رهقا ، وهو الفرق .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
فزادوهم رهقا ) قال : زادهم الجن خوفا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فزاد الإنس الجن بفعلهم ذلك إثما ، وذلك زادوهم به استحلالا لمحارم الله . والرهق في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم; ومنه قول
الأعشى :
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا
[ ص: 657 ]
يقول : ما لم يغش محرما .