القول في
تأويل قوله تعالى : ( إنه فكر وقدر ( 18 )
فقتل كيف قدر ( 19 )
ثم قتل كيف قدر ( 20 )
ثم نظر ( 21 )
ثم عبس وبسر ( 22 )
ثم أدبر واستكبر ( 23 )
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ( 24 )
إن هذا إلا قول البشر ( 25 ) ) .
يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي خلقته وحيدا ، فكر فيما أنزل على عبده
محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ، وقدر فيما يقول فيه (
فقتل كيف قدر ) يقول : ثم لعن كيف قدر النازل فيه (
ثم نظر ) يقول : ثم روى في ذلك (
ثم عبس ) يقول : ثم قبض ما بين عينيه ( وبسر ) يقول : كلح وجهه; ومنه قول
توبة بن الحمير :
وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها
[ ص: 24 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت الأخبار عن الوحيد أنه فعل .
ذكر الرواية بذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر عن عباد بن منصور ، عن
عكرمة ، أن
الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له ، فبلغ ذلك
أبا جهل ، فقال : أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا قال : لم ؟ قال : يعطونكه فإنك أتيت
محمدا تتعرض لما قبله ، قال : قد علمت
قريش أني أكثرها مالا قال : فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال ، وأنك كاره له; قال : فما أقول فيه ، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزه مني ، ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، ووالله إن لقوله لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، قال : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكر فيه; فلما فكر قال : هذا سحر يأثره عن غيره ، فنزلت (
ذرني ومن خلقت وحيدا ) قال
قتادة : خرج من بطن أمه وحيدا ، فنزلت هذه الآية حتى بلغ تسعة عشر .
حدثني
محمد بن سعيد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
إنه فكر وقدر ) إلى (
ثم عبس وبسر ) قال : دخل
الوليد بن المغيرة على
أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه ، يسأله عن القرآن ، فلما أخبره خرج على
قريش فقال : يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ، فوالله ما هو بشعر ، ولا بسحر ، ولا بهذي من الجنون ، وإن قوله لمن كلام الله ، فلما سمع بذلك النفر من
قريش ائتمروا وقالوا : والله لئن صبأ
الوليد لتصبأن
قريش ، فلما سمع بذلك
أبو جهل قال : أنا والله أكفيكم شأنه ، فانطلق حتى دخل عليه بيته ، فقال
للوليد : ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة قال : ألست أكثرهم مالا وولدا ؟ فقال له
أبو جهل :
[ ص: 25 ] يتحدثون أنك إنما تدخل على
ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه ، قال الوليد : أقد تحدثت به عشيرتي ، فلا يقصر عن سائر
بني قصي ، لا أقرب
أبا بكر ولا
عمر ولا ابن أبي كبشة ، وما قوله إلا سحر يؤثر ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : (
ذرني ومن خلقت وحيدا ) إلى (
لا تبقي ولا تذر ) .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
إنه فكر وقدر ) ، زعموا أنه قال : والله لقد نظرت فيما قال هذا الرجل ، فإذا هو ليس له بشعر ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه ليعلو وما يعلى ، وما أشك أنه سحر ، فأنزل الله فيه : (
فقتل كيف قدر ) الآية (
ثم عبس وبسر ) : قبض ما بين عينيه وكلح .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
فكر وقدر ) قال :
الوليد بن المغيرة يوم دار الندوة .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
ذرني ومن خلقت وحيدا ) يعني
الوليد بن المغيرة ، دعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقال : حتى أنظر ، ففكر (
ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ) فجعل الله له سقر .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : (
ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا ) إلى قوله : (
إن هذا إلا سحر يؤثر ) قال : هذا
الوليد بن المغيرة قال : سأبتار لكم هذا الرجل الليلة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجده قائما يصلي ويقترئ ، وأتاهم فقالوا : مه ، قال : سمعت قولا حلوا أخضر مثمرا يأخذ بالقلوب ، فقالوا : هو شعر ، فقال : لا والله ما هو بالشعر ، ليس أحد أعلم بالشعر مني ، أليس قد عرضت علي الشعراء شعرهم نابغة وفلان وفلان ؟ قالوا : فهو كاهن ، فقال : لا والله ما هو بكاهن ، قد عرضت علي الكهانة ، قالوا : فهذا سحر الأولين اكتتبه ، قال : لا أدري إن كان شيئا فعسى هو إذا سحر يؤثر ، فقرأ : (
فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ) قال : قتل كيف قدر حين قال : ليس بشعر ، ثم قتل كيف قدر حين قال : ليس بكهانة .
وقوله : (
ثم أدبر واستكبر ) يقول تعالى ذكره : ثم ولى عن الإيمان والتصديق
[ ص: 26 ] بما أنزل الله من كتابه ، واستكبر عن الإقرار بالحق (
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ) قال : يأثره عن غيره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل بن سميع ، عن
أبي رزين (
إن هذا إلا سحر يؤثر ) قال : يأخذه عن غيره .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل ، عن
أبي رزين (
إن هذا إلا سحر يؤثر ) قال : يأثره عن غيره .
وقوله : (
إن هذا إلا قول البشر ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الوحيد في القرآن (
إن هذا إلا قول البشر ) ما هذا الذي يتلوه
محمد إلا قول
البشر ، يقول : ما هو إلا كلام ابن آدم ، وما هو بكلام الله .