القول في
تأويل قوله تعالى : ( كلا والقمر ( 32 )
والليل إذ أدبر ( 33 )
والصبح إذا أسفر ( 34 )
إنها لإحدى الكبر ( 35 )
نذيرا للبشر ( 36 )
لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ( 37 ) ) .
يعني تعالى ذكره بقوله ( كلا ) ليس القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابه المشركين خزنة جهنم حتى يجهضهم عنها ، ثم أقسم ربنا تعالى فقال : (
والقمر والليل إذ أدبر ) يقول : والليل إذ ولى ذاهبا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
والليل إذ أدبر ) إذ ولى .
وقال آخرون في ذلك ما حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ; عن أبيه ، عن
ابن عباس (
والليل إذ أدبر ) دبوره : إظلامه .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
المدينة والبصرة (
إذ أدبر ) ، وبعض قراء
مكة والكوفة ( إذا دبر ) .
[ ص: 33 ]
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك ، فقال بعض
الكوفيين : هما لغتان ، يقال : دبر النهار وأدبر ، ودبر الصيف وأدبر ، قال : وكذلك قبل وأقبل ; فإذا قالوا : أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بالألف . وقال بعض
البصريين : ( والليل إذا دبر ) يعني : إذا دبر النهار وكان في آخره ; قال : ويقال : دبرني : إذا جاء خلفي ، وأدبر : إذا ولى .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان بمعنى ، وذلك أنه محكي عن العرب : قبح الله ما قبل منه وما دبر . وأخرى أن أهل التفسير لم يميزوا في تفسيرهم بين القراءتين ، وذلك دليل على أنهم فعلوا ذلك كذلك ، لأنهما بمعنى واحد .
وقوله : (
والصبح إذا أسفر ) يقول تعالى ذكره : والصبح إذا أضاء .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
والصبح إذا أسفر ) إذا أضاء وأقبل (
إنها لإحدى الكبر ) يقول تعالى ذكره : إن جهنم لإحدى الكبر ، يعني : الأمور العظام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثني
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
إنها لإحدى الكبر ) يعني : جهنم .
حدثنا
أبو السائب ، قال : ثنا أبو
معاوية ، عن
إسماعيل بن سميع ، عن
أبي رزين (
إنها لإحدى الكبر ) قال : جهنم .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
إنها لإحدى الكبر ) قال : هذه النار .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
إنها لإحدى الكبر ) قال : هي النار .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
إنها لإحدى الكبر ) يعني : جهنم .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
إنها لإحدى الكبر ) يعني جهنم .
وقوله : (
نذيرا للبشر ) يقول تعالى ذكره : إن النار لإحدى الكبر ، نذيرا لبني آدم .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : (
نذيرا للبشر ) ، وما الموصوف بذلك ، فقال بعضهم : عني بذلك النار ، وقالوا : هي صفة للهاء التي في قوله ( إنها ) وقالوا : هي النذير ، فعلى قول هؤلاء النذير نصب على القطع من إحدى الكبر; لأن إحدى
[ ص: 34 ] الكبر معرفة ، وقوله : ( نذيرا ) نكرة ، والكلام قد يحسن الوقوف عليه دونه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : قال
الحسن : والله ما أنذر الناس بشيء أدهى منها ، أو بداهية هي أدهى منها .
وقال آخرون : بل ذلك من صفة الله تعالى ، وهو خبر من الله عن نفسه ، أنه نذير لخلقه ، وعلى هذا القول يجب أن يكون نصب قوله ( نذيرا ) على الخروج من جملة الكلام المتقدم ، فيكون معنى الكلام : وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرا للبشر ، يعني : إنذارا لهم; فيكون قوله ( نذيرا ) بمعنى إنذارا لهم; كما قال : (
فستعلمون كيف نذير ) بمعنى إنذاري; ويكون أيضا بمعنى : إنها لإحدى الكبر; صيرنا ذلك كذلك نذيرا ، فيكون قوله : (
إنها لإحدى الكبر ) مؤديا عن معنى صيرنا ذلك كذلك ، وهذا المعنى قصد من قال ذلك إن شاء الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا أبو
معاوية ، عن
إسماعيل ، عن
أبي رزين (
إنها لإحدى الكبر ) قال : جهنم (
نذيرا للبشر ) يقول الله : أنا لكم منها نذير فاتقوها .
وقال آخرون : بل ذلك من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : نصب ( نذيرا ) على الحال مما في قوله " قم " ، وقالوا : معنى الكلام : قم نذيرا للبشر فأنذر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
نذيرا للبشر ) قال : الخلق . قال : بنو
آدم ، البشر . فقيل له :
محمد النذير ؟ قال : نعم ينذرهم .
وقوله : (
لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) يقول تعالى ذكره : نذيرا للبشر لمن شاء منكم أيها الناس أن يتقدم في طاعة الله ، أو يتأخر في معصية الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) قال : من
[ ص: 35 ] شاء اتبع طاعة الله ، ومن شاء تأخر عنها .
حدثني
بشر; قال : ثنا
يزيد; قال : ثنا
سعيد; عن
قتادة (
لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) يتقدم في طاعة الله ، أو يتأخر في معصيته .