القول في
تأويل قوله تعالى : ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ( 19 )
وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ( 20 ) ) .
يقول تعالى ذكره : ويطوف على هؤلاء الأبرار ولدان ، وهم الوصفاء ، مخلدون .
اختلف أهل التأويل في معنى : ( مخلدون ) فقال بعضهم : معنى ذلك : أنهم لا يموتون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
ويطوف عليهم ولدان مخلدون ) أي : لا يموتون .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، مثله .
وقال آخرون : عني بذلك (
ولدان مخلدون ) مسورون .
وقال آخرون : بل عني به أنهم مقرطون . وقيل : عني به أنهم دائم شبابهم ، لا يتغيرون عن تلك السن .
وذكر عن العرب أنها تقول للرجل إذا كبر وثبت سواد شعره : إنه لمخلد; كذلك إذا كبر وثبت أضراسه وأسنانه قيل : إنه لمخلد ، يراد به أنه ثابت الحال ، وهذا تصحيح لما قال
قتادة من أن معناه : لا يموتون ، لأنهم إذا ثبتوا على حال واحدة فلم يتغيروا بهرم ولا شيب ولا موت ، فهم مخلدون . وقيل : إن معنى قوله : (
مخلدون ) مسورون بلغة
حمير; وينشد لبعض شعرائهم :
ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان
[ ص: 111 ]
وقوله : (
إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) يقول تعالى ذكره : إذا رأيت يا
محمد هؤلاء الولدان مجتمعين أو مفترقين ، تحسبهم في حسنهم ، ونقاء بياض وجوههم ، وكثرتهم ، لؤلؤا مبددا ، أو مجتمعا مصبوبا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
لؤلؤا منثورا ) قال : من كثرتهم وحسنهم .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
إذا رأيتهم حسبتهم ) من حسنهم وكثرتهم (
لؤلؤا منثورا ) وقال
قتادة : عن
أبي أيوب ، عن
عبد الله بن عمرو ، قال : ما من أهل الجنة من أحد إلا ويسعى عليه ألف غلام ، كل غلام على عمل ما عليه صاحبه .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، قال : (
حسبتهم لؤلؤا منثورا ) قال : في كثرة اللؤلؤ وبياض اللؤلؤ .
وقوله : (
وإذا رأيت ثم رأيت نعيما ) يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : وإذا نظرت ببصرك يا
محمد ، ورميت بطرفك فيما أعطيت هؤلاء الأبرار في الجنة من الكرامة . وعني بقوله : ( ثم ) الجنة (
رأيت نعيما ) ، وذلك أن أدناهم منزلة من ينظر في ملكه فيما قيل في مسيرة ألفي عام ، يرى أقصاه ، كما يرى أدناه .
وقد اختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله لم يذكر مفعول رأيت الأول ، فقال بعض نحويي
البصرة : إنما فعل ذلك لأنه يريد رؤية لا تتعدى ، كما تقول : ظننت في الدار ، أخبر بمكان ظنه ، فأخبر بمكان رؤيته . وقال بعض نحويي
الكوفة : إنما فعل ذلك لأن معناه : وإذا رأيت ما ثم رأيت نعيما ، قال : وصلح إضمار ما كما قيل : لقد تقطع بينكم ، يريد : ما بينكم ، قال : ويقال : إذا رأيت ثم يريد : إذا نظرت ثم ،
[ ص: 112 ] أي إذا رميت ببصرك هناك رأيت نعيما .
وقوله : (
وملكا كبيرا ) يقول : ورأيت مع النعيم الذي ترى لهم ثم ملكا كبيرا . وقيل : إن ذلك الملك الكبير : تسليم الملائكة عليهم ، واستئذانهم عليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
مؤمل ، قال : ثنا
سفيان ، قال : ثني من سمع
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا يقول : (
وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) قال : تسليم الملائكة .
قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : سمعت
سفيان يقول في قوله : ( ملكا كبيرا ) قال : بلغنا أنه تسليم الملائكة .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
الأشجعي ، في قوله : (
وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) قال : فسرها
سفيان قال : تستأذن الملائكة عليهم .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان (
وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) قال استئذان الملائكة عليهم .