القول في
تأويل قوله تعالى : ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ( 22 )
إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ( 23 )
فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( 24 ) ) .
[ ص: 115 ]
يقول تعالى ذكره : يقال لهؤلاء الأبرار حينئذ : إن هذا الذي أعطيناكم من الكرامة كان لكم ثوابا على ما كنتم في الدنيا تعملون من الصالحات (
وكان سعيكم مشكورا ) يقول : كان عملكم فيها مشكورا ، حمدكم عليه ربكم ، ورضيه لكم ، فأثابكم بما أثابكم به من الكرامة عليه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) غفر لهم الذنب ، وشكر لهم الحسن .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قال : تلا
قتادة : (
وكان سعيكم مشكورا ) قال : لقد شكر الله سعيا قليلا .
وقوله :
( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : إنا نحن نزلنا عليك يا
محمد هذا القرآن تنزيلا ابتلاء منا واختبارا (
فاصبر لحكم ربك ) يقول : اصبر لما امتحنك به ربك من فرائضه ، وتبليغ رسالته ، والقيام بما ألزمك القيام به في تنزيله الذي أوحاه إليك (
ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) يقول : ولا تطع في معصية الله من مشركي قومك آثما يريد بركوبه معاصيه ، أو كفورا : يعني جحودا لنعمه عنده ، وآلائه قبله ، فهو يكفر به ، ويعبد غيره .
وقيل : إن الذي عني بهذا القول
أبو جهل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) قال : نزلت في عدو الله
أبي جهل .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة أنه بلغه أن
أبا جهل قال : لئن رأيت
محمدا يصلي لأطأن عنقه ، فأنزل الله : (
ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) قال : الآثم : المذنب الظالم والكفور ، هذا كله واحد . وقيل : ( أو كفورا ) والمعنى : ولا كفورا . قال
الفراء : " أو " هاهنا بمنزلة الواو ، وفى الجحد والاستفهام والجزاء تكون بمعنى " لا " . فهذا من ذلك مع الجحد ، ومنه قول الشاعر
لا وجد ثكلى كما وجدت ولا وجد عجول أضلها ربع [ ص: 116 ] أو وجد شيخ أضل ناقته
يوم توافى الحجيج فاندفعوا
أراد : ولا وجد شيخ ، قال : وقد يكون في العربية : لا تطيعن منهم من أثم أو كفر ، فيكون المعنى في أو قريبا من معنى الواو ، كقولك للرجل : لأعطينك سألت أو سكت ، معناه : لأعطينك على كل حال .