القول في
تأويل قوله تعالى ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .
فقال بعضهم : معنى ذلك :
مثل الكافر في قلة فهمه عن الله ما يتلى عليه في كتابه ، وسوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد الله ويوعظ به مثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نعق بها ، ولا تعقل ما يقال لها .
ذكر من قال ذلك :
2450 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري قال : حدثنا
أبو الأحوص ، عن
سماك ، عن
عكرمة في قوله : "
ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : مثل البعير أو مثل الحمار ، تدعوه فيسمع الصوت ولا يفقه ما تقول .
2451 - حدثني
محمد بن عبد الله بن زريع قال : حدثنا
يوسف بن خالد السمتي قال : حدثنا
نافع بن مالك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : "
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " قال : هو كمثل الشاة ونحو ذلك .
[ ص: 309 ]
2452 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه عن
ابن عباس قوله : "
ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، كمثل البعير والحمار والشاة ، إن قلت لبعضها " كل " - لا يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك ، وكذلك الكافر ، إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته ، لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك .
2453 - حدثني
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس : مثل الدابة تنادى فتسمع ولا تعقل ما يقال لها . كذلك الكافر ، يسمع الصوت ولا يعقل .
2454 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
خصيف عن
مجاهد : "
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " قال : مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل .
2455 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : "
كمثل الذي ينعق " ، مثل ضربه الله للكافر يسمع ما يقال له ولا يعقل ، كمثل البهيمة تسمع النعيق ولا تعقل .
2456 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قوله : "
ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، يقول : مثل الكافر كمثل البعير والشاة ، يسمع الصوت ولا يعقل ولا يدري ما عني به .
[ ص: 310 ]
2457 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة في قوله : "
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : هو مثل ضربه الله للكافر؛ يقول : مثل هذا الكافر مثل هذه البهيمة التي تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها . فكذلك الكافر لا ينتفع بما يقال له .
2458 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قال : هو مثل الكافر ، يسمع الصوت ولا يعقل ما يقال له .
2459 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : سألت
عطاء ثم قلت له : يقال : لا تعقل - يعني البهيمة - إلا أنها تسمع دعاء الداعي حين ينعق بها ، فهم كذلك لا يعقلون وهم يسمعون . فقال : كذلك . قال : وقال
مجاهد : "
الذي ينعق " ، الراعي "
بما لا يسمع " من البهائم .
2460 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
كمثل الذي ينعق " الراعي "
بما لا يسمع " من البهائم .
2461 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، لا يعقل ما يقال له إلا أن تدعي فتأتي ، أو ينادى بها فتذهب . وأما "
الذي ينعق " ، فهو الراعي الغنم ، كما ينعق الراعي بما لا يسمع ما يقال له ، إلا أن يدعى أو ينادى . فكذلك
محمد صلى الله عليه وسلم ، يدعو من لا يسمع إلا خرير الكلام ، يقول الله : (
صم بكم عمي ) [ سورة البقرة : 18 ]
قال
أبو جعفر : ومعنى قائلي هذا القول - في تأويلهم ما تأولوا ، على ما حكيت عنهم - : ومثل وعظ الذين كفروا وواعظهم ، كمثل نعق الناعق بغنمه
[ ص: 311 ] ونعيقه بها . فأضيف " المثل " إلى الذين كفروا ، وترك ذكر " الوعظ والواعظ " ، لدلالة الكلام على ذلك . كما يقال : " إذا لقيت فلانا فعظمه تعظيم السلطان " ، يراد به : كما تعظم السلطان ، وكما قال الشاعر :
فلست مسلما ما دمت حيا على زيد بتسليم الأمير
يراد به : كما يسلم على الأمير .
وقد يحتمل أن يكون المعنى - على هذا التأويل الذي تأوله هؤلاء - : ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله ، كمثل المنعوق به من البهائم ، الذي لا يفقه من الأمر والنهي غير الصوت . وذلك أنه لو قيل له : " اعتلف ، أورد الماء " ، لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله . فكذلك الكافر مثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه - بسوء تدبره إياه وقلة نظره وفكره فيه - مثل هذا المنعوق به فيما أمر به ونهي عنه . فيكون المعنى للمنعوق به ، والكلام خارج على الناعق ، كما قال
نابغة بني ذبيان :
وقد خفت ، حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل
والمعنى : حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي ، وكما قال الآخر :
[ ص: 312 ] كانت فريضة ما تقول ، كما كان الزناء فريضة الرجم
والمعنى : كما كان الرجم فريضة الزنا ، فجعل الزنا فريضة الرجم ، لوضوح معنى الكلام عند سامعه ، وكما قال الآخر :
إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره
والمعنى : يحلى بالعين ، فجعله تحلى به العين . ونظائر ذلك من كلام العرب أكثر من أن تحصى ، مما توجهه العرب من خبر ما تخبر عنه إلى ما صاحبه ، لظهور معنى ذلك عند سامعه ، فتقول : " اعرض الحوض على الناقة " ، وإنما تعرض الناقة على الحوض ، وما أشبه ذلك من كلامها .
وقال آخرون : معنى ذلك :
ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم وأوثانهم التي لا تسمع ولا تعقل
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، وذلك الصدى الذي يسمع صوته ، ولا يفهم به عنه الناعق شيئا .
فتأويل الكلام على قول قائلي ذلك : ومثل الذين كفروا وآلهتهم - في دعائهم إياها وهي لا تفقه ولا تعقل - كمثل الناعق بما لا يسمعه الناعق إلا دعاء ونداء ، أي : لا يسمع منه الناعق إلا دعاءه .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 313 ]
2462 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : الرجل الذي يصيح في جوف الجبال فيجيبه فيها صوت يراجعه يقال له " الصدى " . فمثل آلهة هؤلاء لهم ، كمثل الذي يجيبه بهذا الصوت ، لا ينفعه ، لا يسمع إلا دعاء ونداء . قال : والعرب تسمي ذلك الصدى .
وقد تحتمل الآية على هذا التأويل وجها آخر غير ذلك . وهو أن يكون معناها :
ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم ، كمثل الناعق بغنم له من حيث لا تسمع صوته غنمه ، فلا تنتفع من نعقه بشيء ، غير أنه في عناء من دعاء ونداء ، فكذلك الكافر في دعائه آلهته ، إنما هو في عناء من دعائه إياها وندائه لها ، ولا ينفعه شيء .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويل عندي بالآية ، التأويل الأول الذي قاله
ابن عباس ومن وافقه عليه . وهو أن معنى الآية : ومثل وعظ الكافر وواعظه ، كمثل الناعق بغنمه ونعيقه ، فإنه يسمع نعقه ولا يعقل كلامه ، على ما قد بينا قبل .
فأما وجه جواز حذف " وعظ " اكتفاء بالمثل منه ، فقد أتينا على البيان عنه في قوله : (
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) [ سورة البقرة : 17 ] ، وفي غيره من نظائره من الآيات ، بما فيه الكفاية عن إعادته .
وإنما اخترنا هذا التأويل ، لأن هذه الآية نزلت في
اليهود ، وإياهم عنى الله تعالى ذكره بها ، ولم تكن
اليهود أهل أوثان يعبدونها ، ولا أهل أصنام يعظمونها ويرجون نفعها أو دفع ضرها . ولا وجه - إذ كان ذلك كذلك - لتأويل من
[ ص: 314 ] تأول ذلك أنه بمعنى : مثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة ودعائهم إياها .
فإن قال قائل : وما دليلك على أن المقصود بهذه الآية
اليهود؟
قيل : دليلنا على ذلك ما قبلها من الآيات وما بعدها ، فإنهم هم المعنيون به . فكان ما بينهما بأن يكون خبرا عنهم ، أحق وأولى من أن يكون خبرا عن غيرهم ، حتى تأتي الأدلة واضحة بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم . هذا ، مع ما ذكرنا من الأخبار عمن ذكرنا عنه أنها فيهم نزلت ، والرواية التي روينا عن
ابن عباس أن الآية التي قبل هذه الآية نزلت فيهم . وبما قلنا من أن هذه الآية معني بها
[ ص: 315 ] اليهود كان
عطاء يقول :
2463 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال لي
عطاء في هذه الآية : هم
اليهود الذين أنزل الله فيهم : (
إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ) إلى قوله : (
فما أصبرهم على النار ) [ سورة البقرة : 174 - 175 ] .
وأما قوله : " ينعق " ، فإنه : يصوت بالغنم "النعيق ، والنعاق" ، ومنه قول
الأخطل :
فانعق بضأنك يا جرير ، فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا
يعني : صوت به .