القول في
تأويل قوله تعالى : ( ألم نجعل الأرض كفاتا ( 25 )
أحياء وأمواتا ( 26 )
وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ( 27 )
ويل يومئذ للمكذبين ( 28 ) ) .
يقول تعالى ذكره : منبها عباده على نعمه عليهم : ( ألم نجعل ) أيها الناس ( الأرض ) لكم ( كفاتا ) يقول : وعاء ، تقول : هذا كفت هذا وكفيته ، إذا كان وعاءه .
وإنما معنى الكلام : ألم نجعل الأرض كفات أحيائكم وأمواتكم ، تكفت أحياءكم في المساكن والمنازل ، فتضمهم فيها وتجمعهم ، وأمواتكم في بطونها في القبور ، فيدفنون فيها .
[ ص: 134 ]
وجائز أن يكون عني بقوله : (
كفاتا أحياء وأمواتا ) تكفت أذاهم في حال حياتهم ، وجيفهم بعد مماتهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
ألم نجعل الأرض كفاتا ) يقول : كنا .
حدثنا
عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا
خالد ، عن
مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15910زاذان أبي عمر ، عن
الربيع بن خثيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، أنه وجد قملة في ثوبه ، فدفنها في المسجد ثم قال : (
ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا أبو
معاوية ، قال : ثنا
مسلم الأعور ، عن
زاذان ، عن
ربيع بن خثيم ، عن
عبد الله ، مثله .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
ليث ، قال : قال
مجاهد في الذي يرى القملة في ثوبه وهو في المسجد ، ولا أدري قال في صلاة أم لا إن شئت فألقها ، وإن شئت فوارها (
ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
شريك ، عن
بيان ، عن
الشعبي (
ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) قال : بطنها لأمواتكم ، وظهرها لأحيائكم .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
عثمان بن الأسود ، عن
مجاهد (
ألم نجعل الأرض كفاتا ) قال : تكفت أذاهم ( أحياء ) تواريه ( وأمواتا ) يدفنون : تكفتهم .
وقد حدثني به
ابن حميد مرة أخرى ، فقال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
عثمان بن الأسود ، عن
مجاهد (
ألم نجعل الأرض كفاتا ) قال : تكفت أذاهم وما يخرج منهم (
أحياء وأمواتا ) قال : تكفتهم في الأحياء والأموات .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) قال : أحياء يكونون فيها ، قال
محمد بن عمرو : يغيبون فيها ما أرادوا ، وقال
الحارث : ويغيبون فيها ما أرادوا . وقوله : (
أحياء وأمواتا ) قال : يدفنون فيها .
[ ص: 135 ]
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) يسكن فيها حيهم ، ويدفن فيها ميتهم .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
أحياء وأمواتا ) قال : أحياء فوقها على ظهرها ، وأمواتا يقبرون فيها .
واختلف أهل العربية في الذي نصب (
أحياء وأمواتا ) فقال بعض نحويي
البصرة : نصب على الحال . وقال بعض نحويي
الكوفة : بل نصب ذلك بوقوع الكفات عليه ، كأنك قلت : ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات ، فإذا نونت نصبت كما يقرأ من يقرأ (
أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ) وهذا القول أشبه عندي بالصواب .
وقوله : (
وجعلنا فيها رواسي شامخات ) يقول تعالى ذكره : وجعلنا في الأرض جبالا ثابتات فيها ، باذخات شاهقات .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وجعلنا فيها رواسي شامخات ) يعني الجبال .
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
رواسي شامخات ) يقول : جبالا مشرفات .
وقوله : (
وأسقيناكم ماء فراتا ) يقول : وأسقيناكم ماء عذبا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس (
وأسقيناكم ماء فراتا ) يقول : عذبا .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثني
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
ماء فراتا ) قال : عذبا .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وأسقيناكم ماء فراتا ) : أي ماء عذبا .
حدثنا
محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا
أبو عاصم ، عن
شبيب ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
وأسقيناكم ماء فراتا ) قال : من أربعة أنهار : سيحان ، وجيحان ،
[ ص: 136 ] والنيل ، والفرات ، وكل ماء يشربه ابن
آدم ، فهو من هذه الأنهار ، وهي تخرج من تحت صخرة من عند
بيت المقدس ، وأما سيحان فهو
ببلخ ، وأما جيحان
فدجلة ، وأما الفرات ففرات
الكوفة ، وأما النيل فهو
بمصر .
وقوله : (
ويل يومئذ للمكذبين ) يقول : ويل يومئذ للمكذبين بهذه النعم التي أنعمتها عليكم من خلقي الكافرين بها .