صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( هذا يوم لا ينطقون ( 35 ) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( 36 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 37 ) هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين ( 38 ) [ ص: 142 ] فإن كان لكم كيد فكيدون ( 39 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 40 ) ) .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بثواب الله وعقابه : ( هذا يوم لا ينطقون ) أهل التكذيب بثواب الله وعقابه ( ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) مما اجترموا في الدنيا من الذنوب .

فإن قال قائل : وكيف قيل : ( هذا يوم لا ينطقون ) وقد علمت بخبر الله عنهم أنهم يقولون : ( ربنا أخرجنا منها ) وأنهم يقولون : ( ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) في نظائر ذلك مما أخبر الله ورسوله عنهم أنهم يقولونه . قيل : إن ذلك في بعض الأحوال دون بعض .

وقوله : ( هذا يوم لا ينطقون ) يخبر عنهم أنهم لا ينطقون في بعض أحوال ذلك اليوم ، لا أنهم لا ينطقون ذلك اليوم كله .

فإن قال : فهل من برهان يعلم به حقيقة ذلك ؟ قيل : نعم ، وذلك إضافة يوم إلى قوله : ( لا ينطقون ) والعرب لا تضيف اليوم إلى فعل يفعل ، إلا إذا أرادت الساعة من اليوم والوقت منه ، وذلك كقولهم : آتيك يوم يقدم فلان ، وأتيتك يوم زارك أخوك ، فمعلوم أن معنى ذلك : أتيتك ساعة زارك ، أو آتيك ساعة يقدم ، وأنه لم يكن إتيانه إياه اليوم كله ، لأن ذلك لو كان أخذ اليوم كله لم يضف اليوم إلى فعل ويفعل ، ولكن فعل ذلك إذ كان اليوم بمعنى إذ وإذا اللتين يطلبان الأفعال دون الأسماء .

وقوله : ( فيعتذرون ) رفعا عطفا على قوله : ( ولا يؤذن لهم ) وإنما اختير ذلك على النصب وقبله جحد ، لأنه رأس آية قرن بينه وبين سائر رءوس التي قبلها ، ولو كان جاء نصبا كان جائزا ، كما قال : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ) وكل ذلك جائز فيه ، أعني الرفع والنصب ، كما قيل : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) رفعا ونصبا .

وقوله : ( ويل يومئذ للمكذبين ) يقول تعالى ذكره : ويل يومئذ للمكذبين بخبر الله عن هؤلاء القوم ، وما هو فاعل بهم يوم القيامة .

وقوله : ( هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين ) يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بالبعث يوم يبعثون : هذا يوم الفصل الذي يفصل الله فيه بالحق بين عباده ( جمعناكم والأولين ) [ ص: 143 ] يقول : جمعناكم فيه لموعدكم الذي كنا نعدكم في الدنيا ، الجمع فيه بينكم وبين سائر من كان قبلكم من الأمم الهالكة . فقد وفينا لكم بذلك ( فإن كان لكم كيد فكيدون ) يقول : والله منجز لكم ما وعدكم في الدنيا من العقاب على تكذيبكم إياه بأنكم مبعوثون لهذا اليوم إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا .

وقوله : ( ويل يومئذ للمكذبين ) يقول : ويل يومئذ للمكذبين بهذا الخبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية