القول في
تأويل قوله تعالى : ( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ( 46 )
ويل يومئذ للمكذبين ( 47 )
وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ( 48 )
ويل يومئذ للمكذبين ( 49 ) ) .
يقول تعالى ذكره تهددا ووعيدا منه للمكذبين بالبعث : كلوا في بقية آجالكم ، وتمتعوا ببقية أعماركم (
إنكم مجرمون ) مسنون بكم سنة من قبلكم من مجرمي الأمم الخالية التي متعت بأعمارها إلى بلوغ كتبها آجالها ، ثم انتقم الله منها بكفرها ، وتكذبيها رسلها .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، فى قوله : (
كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ) قال : عني به أهل الكفر .
وقوله : (
ويل يومئذ للمكذبين ) يقول تعالى ذكره : ويل يومئذ للمكذبين الذين كذبوا خبر الله الذي أخبرهم به عما هو فاعل بهم في هذه الآية .
وقوله :
( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) يقول تعالى ذكره : وإذا قيل لهؤلاء المجرمين المكذبين بوعيد الله أهل التكذيب به : اركعوا; لا يركعون .
واختلف أهل التأويل في الحين الذي يقال لهم فيه ، فقال بعضهم : يقال ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) يقول : يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا .
وقال آخرون : بل قيل ذلك لهم في الدنيا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) عليكم بحسن الركوع ، فإن الصلاة من الله بمكان . وقال
[ ص: 145 ] قتادة عن
ابن مسعود ، أنه رأى رجلا يصلي ولا يركع ، وآخر يجر إزاره ، فضحك ، قالوا : ما يضحكك ؟ قال : أضحكني رجلان ، أما أحدهما فلا يقبل الله صلاته ، وأما الآخر فلا ينظر الله إليه .
وقيل : عني بالركوع في هذا الموضع الصلاة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) قال : صلوا .
وأولى الأقوال في ذلك أن يقال : إن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين أنهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه ، لا يأتمرون بأمره ، ولا ينتهون عما نهاهم عنه .
وقوله : (
ويل يومئذ للمكذبين ) يقول : ويل للذين كذبوا رسل الله ، فردوا عليهم ما بلغوا من أمر الله إياهم ، ونهيه لهم .