القول في
تأويل قوله تعالى : ( ألم نجعل الأرض مهادا ( 6 )
والجبال أوتادا ( 7 )
وخلقناكم أزواجا ( 8 )
وجعلنا نومكم سباتا ( 9 )
وجعلنا الليل لباسا ( 10 )
وجعلنا النهار معاشا ( 11 ) ) .
يقول تعالى ذكره معددا على هؤلاء المشركين نعمه وأياديه عندهم ، وإحسانه إليهم ، وكفرانهم ما أنعم به عليهم ، ومتوعدهم بما أعد لهم عند ورودهم عليه من صنوف عقابه ، وأليم عذابه ، فقال لهم : (
ألم نجعل الأرض ) لكم (
مهادا ) تمتدونها وتفترشونها .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سعيد ، عن
قتادة (
ألم نجعل الأرض مهادا ) : أي بساطا (
والجبال أوتادا ) يقول : والجبال للأرض أوتادا أن تميد بكم (
وخلقناكم أزواجا ) ذكرانا وإناثا ، وطوالا وقصارا ، أو ذوي دمامة وجمال ، مثل قوله : (
الذين ظلموا وأزواجهم ) يعني به : صيرناهم (
وجعلنا نومكم سباتا ) يقول : وجعلنا نومكم لكم راحة ودعة ، تهدءون به وتسكنون ، كأنكم أموات لا تشعرون ، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح ، والسبت والسبات : هو السكون ، ولذلك سمي السبت سبتا ، لأنه يوم راحة ودعة (
وجعلنا الليل لباسا ) يقول تعالى ذكره : وجعلنا الليل لكم غشاء يتغشاكم سواده ، وتغطيكم ظلمته ، كما يغطي الثوب لابسه لتسكنوا فيه عن التصرف لما كنتم تتصرفون له نهارا; ومنه قول الشاعر :
فلما لبسن الليل أو حين نصبت له من خذا آذانها وهو دالح
[ ص: 152 ]
يعني بقوله " لبسن الليل " : أدخلن في سواده فاستترن به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
قتادة (
وجعلنا الليل لباسا ) قال : سكنا . وقوله : (
وجعلنا النهار معاشا ) يقول : وجعلنا النهار لكم ضياء لتنتشروا فيه لمعاشكم ، وتتصرفوا فيه لمصالح دنياكم ، وابتغاء فضل الله فيه ، وجعل جل ثناؤه النهار إذ كان سببا لتصرف عباده لطلب المعاش فيه معاشا ، كما في قول الشاعر :
وأخو الهموم إذا الهموم تحضرت جنح الظلام وساده لا يرقد
فجعل الوساد هو الذي لا يرقد ، والمعنى لصاحب الوساد .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
النهار معاشا ) قال : يبتغون فيه من فضل الله .