القول في
تأويل قوله تعالى : ( يقولون أئنا لمردودون في الحافرة ( 10 )
أئذا كنا عظاما نخرة ( 11 )
قالوا تلك إذا كرة خاسرة ( 12 )
فإنما هي زجرة واحدة ( 13 )
فإذا هم بالساهرة ( 14 ) ) .
يقول تعالى ذكره : يقول هؤلاء المكذبون بالبعث من مشركي
قريش إذا قيل لهم : إنكم مبعوثون من بعد الموت : أئنا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات ، فراجعون أحياء كما كنا قبل هلاكنا ، وقبل مماتنا ، وهو من قولهم : رجع فلان على حافرته : إذا
[ ص: 194 ] رجع من حيث جاء; ومنه قول الشاعر :
أحافرة على صلع وشيب معاذ الله من سفه وطيش
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : ( الحافرة ) يقول : الحياة .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
أئنا لمردودون في الحافرة ) يقول : أئنا لنحيا بعد موتنا ، ونبعث من مكاننا هذا .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة يقول : (
أئنا لمردودون في الحافرة ) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
في الحافرة ) قال : أي مردودون خلقا جديدا .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
أبي معشر ، عن
محمد بن قيس أو
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي (
أئنا لمردودون في الحافرة ) قال : في الحياة .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
أئنا لمردودون في الحافرة ) قال : في الحياة .
وقال آخرون : الحافرة : الأرض المحفورة التي حفرت فيها قبورهم ، فجعلوا ذلك نظير قوله : (
من ماء دافق ) . يعني مدفوق ، وقالوا : الحافرة بمعنى المحفورة ، ومعنى الكلام عندهم : أئنا لمردودون في قبورنا أمواتا .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، [ ص: 195 ] عن
مجاهد ، قوله : ( الحافرة ) قال : الأرض : نبعث خلقا جديدا ، قال : البعث .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
أئنا لمردودون في الحافرة ) قال : الأرض ، نبعث خلقا جديدا .
وقال آخرون : الحافرة : النار .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : سمعت
ابن زيد يقول في قول الله : (
أئنا لمردودون في الحافرة ) قال : الحافرة : النار ، وقرأ قول الله (
تلك إذا كرة خاسرة ) قال : ما أكثر أسماءها ، هي النار ، وهي الجحيم ، وهي سقر ، وهي جهنم ، وهي الهاوية ، وهي الحافرة ، وهي لظى ، وهي الحطمة .
وقوله : (
أئذا كنا عظاما نخرة ) اختلفت القراء قي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
المدينة والحجاز والبصرة ( نخرة ) بمعنى : بالية . وقرأ ذلك عامة قراء
الكوفة ( ناخرة ) بألف ، بمعنى : أنها مجوفة تنخر الرياح في جوفها إذا مرت بها . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول : الناخرة والنخرة سواء في المعنى ، بمنزلة الطامع والطمع ، والباخل والبخل; وأفصح اللغتين عندنا وأشهرهما عندنا ( نخرة ) ، بغير ألف ، بمعنى : بالية ، غير أن رءوس الآي قبلها وبعدها جاءت بالألف ، فأعجب إلي لذلك أن تلحق ناخرة بها ليتفق هو وسائر رءوس الآيات ، لولا ذلك كان أعجب القراءتين إلي حذف الألف منها .
ذكر من قال ( نخرة ) : بالية :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
أئذا كنا عظاما نخرة ) فالنخرة : الفانية البالية .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
عظاما نخرة ) قال : مرفوتة .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
أئذا كنا عظاما ) تكذيبا بالبعث ( ناخرة ) بالية . قالوا : (
تلك إذا كرة خاسرة ) يقول جل ثناؤه عن قيل هؤلاء المكذبين بالبعث ، قالوا : تلك : يعنون تلك الرجعة أحياء بعد الممات ، إذا :
[ ص: 196 ] يعنون الآن ، كرة : يعنون رجعة ، خاسرة : يعنون غابنة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
إذا كرة خاسرة ) : أي رجعة خاسرة .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
تلك اذا كرة خاسرة ) قال : وأي كرة أخسر منها ، أحيوا ثم صاروا إلى النار ، فكانت كرة سوء .
وقوله : (
فإنما هي زجرة واحدة ) يقول تعالى ذكره : فإنما هي صيحة واحدة ، ونفخة تنفخ في الصور ، وذلك هو الزجرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
زجرة واحدة ) قال : صيحة .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
زجرة واحدة ) قال : الزجرة : النفخة في الصور .
وقوله : (
فإذا هم بالساهرة ) يقول تعالى ذكره : فإذا هؤلاء المكذبون بالبعث المتعجبون من إحياء الله إياهم من بعد مماتهم ، تكذيبا منهم بذلك بالساهرة ، يعني بظهر الأرض ، والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة ، وأراهم سموا ذلك بها ، لأن فيه نوم الحيوان وسهرها ، فوصف بصفة ما فيه; ومنه قول
أمية بن أبي الصلت :
وفيها لحم ساهرة وبحر وما فاهوا به لهم مقيم
[ ص: 197 ]
ومنه قول
أخي نهم يوم ذي قار لفرسه :
أقدم " محاج " إنها الأساوره ولا يهولنك رجل نادره
فإنما قصرك ترب الساهره ثم تعود بعدها في الحافره
من بعد ما كنت عظاما ناخره
واختلف أهل التأويل في معناها ، فقال بعضهم مثل الذي قلنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
حصين ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
فإذا هم بالساهرة ) قال : على الأرض ، قال : فذكر شعرا قاله
أمية بن أبي الصلت ، فقال :
عندنا صيد بحر وصيد ساهرة
حدثنا
محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا
أبو محصن ، عن
حصين ، عن
عكرمة ، في قوله : (
فإذا هم بالساهرة ) قال : الساهرة : الأرض ، أما سمعت : لهم صيد بحر ، وصيد ساهرة .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ،
[ ص: 198 ] عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
فإذا هم بالساهرة ) يعني : الأرض .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، قال : ثنا
عمارة بن أبي حفصة ، عن
عكرمة ، في قوله : (
فإذا هم بالساهرة ) قال : فإذا هم على وجه الأرض ، قال : أو لم تسمعوا ما قال
أمية بن أبي الصلت لهم :
وفيها لحم ساهرة وبحر
. . . . . . . . . .
حدثنا
عمارة بن موسى ، قال : ثنا
عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا
عمارة ، عن
عكرمة ، في قوله : (
فإذا هم بالساهرة ) قال : فإذا هم على وجه الأرض ، قال
أمية :
وفيها لحم ساهرة وبحر
. . . . . . . . . .
حدثنا
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء ، عن
الحسن (
فإذا هم بالساهرة ) فإذا هم على وجه الأرض .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : ( بالساهرة ) قال : المكان المستوي .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال : لما تباعد البعث في أعين القوم قال الله : (
فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) يقول : فإذا هم بأعلى الأرض بعد ما كانوا في جوفها .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ( بالساهرة ) قال : فإذا هم يخرجون من قبورهم فوق الأرض والأرض ، الساهرة ، قال : فإذا هم يخرجون .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
خصيف ، عن
عكرمة وأبي الهيثم ، عن
سعيد بن جبير (
فإذا هم بالساهرة ) قال : بالأرض .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
أبي الهيثم ، عن
سعيد بن جبير ، مثله .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
حصين ، عن
عكرمة ، مثله .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
فإذا هم بالساهرة ) : وجه الأرض .
[ ص: 199 ]
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
فإذا هم بالساهرة ) قال : الساهرة ظهر الأرض فوق ظهرها .
وقال آخرون : الساهرة : اسم مكان من الأرض بعينه معروف .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي بن سهل ، قال : ثني
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن
عثمان بن أبي العاتكة ، قوله : (
فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) قال : بالصقع الذي بين
جبل حسان وجبل أريحاء ، يمده الله كيف يشاء .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان (
فإذا هم بالساهرة ) قال : أرض
بالشام .
وقال آخرون : هو جبل بعينه معروف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
علي بن سهل ، قال : ثنا
الحسن بن بلال ، قال : ثنا
حماد ، قال : أخبرنا
أبو سنان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ، قال في قول الله : (
فإذا هم بالساهرة ) قال : الساهرة : جبل إلى جنب
بيت المقدس .
وقال آخرون : هي جهنم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
محمد بن مروان العقيلي ، قال : ثني
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة (
فإذا هم بالساهرة ) قال : في جهنم .