القول في
تأويل قوله تعالى : ( وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ( 29 )
والأرض بعد ذلك دحاها ( 30 )
أخرج منها ماءها ومرعاها ( 31 )
والجبال أرساها ( 32 ) ) .
وقوله : (
وأغطش ليلها ) يقول تعالى ذكره : أظلم ليل السماء ، فأضاف الليل إلى السماء ، لأن الليل غروب الشمس ، وغروبها وطلوعها فيها ، فأضيف إليها لما كان فيها ، كما قيل : نجوم الليل ، إذ كان فيه الطلوع والغروب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
وأغطش ليلها ) يقول : أظلم ليلها .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن
[ ص: 207 ] أبيه ، عن
ابن عباس (
وأغطش ليلها ) يقول : أظلم ليلها .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
وأغطش ليلها ) قال : أظلم .
حدثني
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وأغطش ليلها ) قال : أظلم ليلها .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
وأغطش ليلها ) قال : أظلم .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب . قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وأغطش ليلها ) قال : الظلمة .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وأغطش ليلها ) يقول : أظلم ليلها .
حدثنا
محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا
حفص بن عمر ، قال : ثنا
الحكم عن
عكرمة (
وأغطش ليلها ) قال : أظلم ليلها .
وقوله : (
وأخرج ضحاها ) يقول : وأخرج ضياءها ، يعني : أبرز نهارها فأظهره ، ونور ضحاها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
وأخرج ضحاها ) نورها .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وأخرج ضحاها ) يقول : نور ضياءها .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وأخرج ضحاها ) قال : نهارها .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله :
[ ص: 208 ] (
وأخرج ضحاها ) قال : ضوء النهار .
وقوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) اختلف أهل التأويل في معنى قوله ( بعد ذلك ) فقال بعضهم : دحيت الأرض من بعد خلق السماء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن علي ، عن
ابن عباس ، قوله حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء ، ثم ذكر السماء قبل الأرض ، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، فذلك قوله : (
والأرض بعد ذلك دحاها ) .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها ) يعني : أن الله خلق السماوات والأرض ، فلما فرغ من السماوات قبل أن يخلق أقوات الأرض فيها بعد خلق السماء ، وأرسى الجبال ، يعني بذلك دحوها الأقوات ، ولم تكن تصلح أقوات الأرض ونباتها إلا بالليل والنهار ، فذلك قوله : (
والأرض بعد ذلك دحاها ) ألم تسمع أنه قال : (
أخرج منها ماءها ومرعاها ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
يعقوب ، عن
حفص ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، قال : وضع
البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحت
البيت .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
بكير بن الأخنس ، عن
مجاهد عن
عبد الله بن عمرو ، قال : خلق الله
البيت قبل الأرض بألفي سنة ، ومنه دحيت الأرض .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : والأرض مع ذلك دحاها ، وقالوا : الأرض خلقت ودحيت قبل السماء ، وذلك أن الله قال : (
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ) . قالوا : فأخبر الله أنه سوى السماوات بعد أن خلق ما في الأرض جميعا ، قالوا فإذا كان ذلك كذلك ، فلا وجه لقوله : (
والأرض بعد ذلك دحاها ) إ لا ما ذكرنا من أنه مع ذلك دحاها قالوا : وذلك كقول الله عز وجل : (
عتل بعد ذلك زنيم ) . بمعنى : مع ذلك زنيم ، وكما يقال للرجل : أنت
[ ص: 209 ] أحمق ، وأنت بعد هذا لئيم الحسب ، بمعنى : مع هذا ، وكما قال جل ثناؤه : (
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) : أي من قبل الذكر ، واستشهد بقول
الهذلي :
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا خراش وبعض الشر أهون من بعض
وزعموا أن
خراشا نجا قبل
عروة .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
خصيف ، عن
مجاهد (
والأرض بعد ذلك دحاها ) قال : مع ذلك دحاها .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
مجاهد ، أنه قال : والأرض عند ذلك دحاها .
حدثنا
عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا
علي بن معبد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16969محمد بن سلمة ، عن
خصيف ، عن
مجاهد (
والأرض بعد ذلك دحاها ) قال : مع ذلك دحاها .
حدثني
محمد بن خلف العسقلاني ، قال : ثنا
رواد بن الجراح ، عن
أبي حمزة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله : (
والأرض بعد ذلك دحاها ) قال : مع ذلك دحاها .
والقول الذي ذكرناه عن
ابن عباس من أن الله تعالى خلق الأرض ، وقدر فيها أقواتها ، ولم يدحها ، ثم استوى إلى السماء ، فسواهن سبع سموات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، فأخرج منها ماءها ومرعاها ، وأرسى جبالها ، أشبه بما دل عليه ظاهر التنزيل ، لأنه جل ثناؤه قال : (
والأرض بعد ذلك دحاها ) والمعروف من معنى " بعد " أنه خلاف معنى " قبل " وليس في دحو الله الأرض بعد تسويته السماوات السبع ، وإغطاشه ليلها ، وإخراجه ضحاها ، ما يوجب أن تكون الأرض خلقت بعد خلق السماوات لأن الدحو إنما هو البسط في كلام العرب ، والمد يقال منه : دحا يدحو دحوا ، ودحيت أدحي دحيا ، لغتان; ومنه قول
أمية بن أبي الصلت :
دار دحاها ثم أعمرنا بها وأقام بالأخرى التي هي أمجد
[ ص: 210 ]
وقول
أوس بن حجر في نعت غيث :
ينفي الحصى عن جديد الأرض مبترك كأنه فاحص أو لاعب داحي
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
والأرض بعد ذلك دحاها ) : أي بسطها .
حدثني
محمد بن خلف ، قال : ثنا
رواد ، عن
أبي حمزة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ( دحاها ) قال : بسطها .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان : ( دحاها ) بسطها .
وقال
ابن زيد في ذلك ما حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : ( دحاها ) قال : حرثها شقها وقال : (
أخرج منها ماءها ومرعاها ) ، وقرأ : (
ثم شققنا الأرض شقا ) حتى بلغ (
وفاكهة وأبا ) ، وقال حين شقها أنبت هذا منها ، وقرأ (
والأرض ذات الصدع ) .
وقوله : (
أخرج منها ماءها ) يقول : فجر فيها الأنهار ( ومرعاها ) يقول : أنبت نباتها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : ( ومرعاها ) ما خلق الله فيها من النبات ، وماءها ما فجر فيها من الأنهار .
[ ص: 211 ] وقوله : ( والجبال أرساها ) يقول : والجبال أثبتها فيها ، وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره ، وهو فيها ، وذلك أن معنى الكلام : والجبال أرساها فيها .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد عن
قتادة (
والجبال أرساها ) أي : أثبتها لا تميد بأهلها حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي ، عن
علي قال : لما خلق الله الأرض قمصت وقالت : تخلق علي
آدم وذريته يلقون علي نتنهم ، ويعملون علي بالخطايا ، فأرساها الله ، فمنها ما ترون ، ومنها ما لا ترون ، فكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر يحتلج لحمها .