القول في
تأويل قوله تعالى : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ( 42 )
فيم أنت من ذكراها ( 43 )
إلى ربك منتهاها ( 44 )
إنما أنت منذر من يخشاها ( 45 )
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ( 46 ) ) .
[ ص: 213 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : يسألك يا
محمد هؤلاء المكذبون بالبعث عن الساعة التي تبعث فيها الموتى من قبورهم (
أيان مرساها ) ، متى قيامها وظهورها . وكان
الفراء يقول : إن قال القائل : إنما الإرساء للسفينة ، والجبال الراسية وما أشبههن ، فكيف وصف الساعة بالإرساء ؟ قلت : هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست ، ورسوها : قيامها; قال : وليس قيامها كقيام القائم ، إنما هي كقولك : قد قام العدل ، وقام الحق : أي ظهر وثبت .
قال
أبو جعفر رحمه الله : يقول الله لنبيه : (
فيم أنت من ذكراها ) يقول : في أي شيء أنت من ذكر الساعة والبحث عن شأنها . وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر ذكر الساعة ، حتى نزلت هذه الآية .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
سفيان بن عيينة ، عن
الزهري ، عن
عروة ، عن
عائشة ، قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812670لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة ، حتى أنزل الله عز وجل : ( فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها ) .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
إسماعيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر شأن الساعة حتى نزلت ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) إلى ( من يخشاها ) .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
فيم أنت من ذكراها ) قال : الساعة .
وقوله : (
إلى ربك منتهاها ) يقول : إلى ربك منتهى علمها ، أي إليه ينتهي علم الساعة ، لا يعلم وقت قيامها غيره .
وقوله : (
إنما أنت منذر من يخشاها ) يقول تعالى ذكره
لمحمد : إنما أنت رسول مبعوث بإنذار الساعة من يخاف عقاب الله فيها على إجرامه ولم تكلف علم وقت قيامها ، يقول : فدع ما لم تكلف علمه واعمل بما أمرت به من إنذار من أمرت بإنذاره .
واختلف القراء في قراءة قوله : (
منذر من يخشاها ) فكان
أبو جعفر القارئ وابن محيصن يقرآن ( منذر ) بالتنوين ، بمعنى : أنه منذر من يخشاها ، وقرأ ذلك سائر قراء
المدينة ومكة والكوفة والبصرة بإضافة ( منذر ) إلى ( من ) .
[ ص: 214 ]
والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : (
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) يقول جل ثناؤه : كأن هؤلاء المكذبين بالساعة ، يوم يرون أن الساعة قد قامت من عظيم هولها ، لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية يوم ، أو ضحى تلك العشية ، والعرب تقول : آتيك العشية أو غداتها ، وآتيك الغداة أو عشيتها ، فيجعلون معنى الغداة بمعنى أول النهار ، والعشية : آخر النهار فكذلك قوله : (
إلا عشية أو ضحاها ) إنما معناه إلا آخر يوم أو أوله ، وينشد هذا البيت :
نحن صبحنا عامرا في دارها عشية الهلال أو سرارها
يعني : عشية الهلال ، أو عشية سرار العشية .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة ، قوله : (
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة .
آخر تفسير سورة النازعات .