[ ص: 215 ] [ ص: 216 ] [ ص: 217 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في
تأويل قوله تعالى : ( عبس وتولى ( 1 )
أن جاءه الأعمى ( 2 )
وما يدريك لعله يزكى ( 3 )
أو يذكر فتنفعه الذكرى ( 4 ) ) .
يعني تعالى ذكره بقوله : ( عبس ) قبض وجهه تكرها ، ( وتولى ) يقول : وأعرض (
أن جاءه الأعمى ) يقول : لأن جاءه الأعمى . وقد ذكر عن بعض القراء أنه كان يطول الألف ويمدها من (
أن جاءه ) فيقول : ( آن جاءه ) ، وكأن معنى الكلام كان عنده : أأن جاءه الأعمى ؟ عبس وتولى ، كما قرأ من قرأ : (
أن كان ذا مال وبنين ) بمد الألف من " أن " وقصرها .
وذكر أن الأعمى الذي ذكره الله في هذه الآية ، هو
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم ، عوتب النبي صلى الله عليه وسلم بسببه .
ذكر الأخبار الواردة بذلك
حدثنا
سعيد بن يحيى الأموي ، قال : ثنا أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة مما عرضه عليه
عروة ، عن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811135أنزلت ( عبس وتولى ) في nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم قالت : أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : أرشدني ، قالت : وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين ، قالت : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ، ويقبل على الآخر ويقول : " أترى بما أقوله بأسا ؟ فيقول : لا ففي هذا أنزلت : ( عبس وتولى ) .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) قال : "
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام nindex.php?page=showalam&ids=18والعباس بن عبد المطلب ، [ ص: 218 ] وكان يتصدى لهم كثيرا ، ويعرض عليهم أن يؤمنوا ، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له nindex.php?page=showalam&ids=100عبد الله بن أم مكتوم ، يمشي وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن ، وقال : يا رسول الله ، علمني مما علمك الله ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبس في وجهه وتولى ، وكره كلامه ، وأقبل على الآخرين; فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك الله بعض بصره ، ثم خفق برأسه ، ثم أنزل الله : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ) ، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه ، وقال له : " ما حاجتك ، هل تريد من شيء؟ " وإذا ذهب من عنده قال له : " هل لك حاجة في شيء؟ " وذلك لما أنزل الله : ( أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى ) .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
هشام ، عن أبيه ، قال : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم (
عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : (
أن جاءه الأعمى ) قال : رجل من
بني فهر ، يقال له :
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
nindex.php?page=hadith&LINKID=812672عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) عبد الله بن زائدة ، وهو ابن أم مكتوم ، وجاءه يستقرئه ، وهو يناجي أمية بن خلف ، رجل من علية قريش ، فأعرض عنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيه ما تسمعون : (
عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) إلى قوله : (
فأنت عنه تلهى ) ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم استخلفه بعد ذلك مرتين على
المدينة في غزوتين غزاهما يصلي بأهلها .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
أنس بن مالك ، أنه رآه يوم
القادسية معه راية سوداء ، وعليه درع له .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال :
جاء nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبي بن خلف ، فأعرض عنه ، فأنزل الله عليه : ( عبس وتولى ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه [ ص: 219 ] قال
أنس : فرأيته يوم
القادسية عليه درع ، ومعه راية سوداء .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
عبس وتولى )
تصدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من مشركي قريش كثير المال ، ورجا أن يؤمن ، وجاء رجل من الأنصار أعمى يقال له : nindex.php?page=showalam&ids=100عبد الله بن أم مكتوم ، فجعل يسأل نبي الله صلى الله عليه وسلم فكرهه نبي الله صلى الله عليه وسلم وتولى عنه ، وأقبل على الغني ، فوعظ الله نبيه ، فأكرمه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، وسألته عن قول الله عز وجل : (
عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812795جاء nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائده يبصر ، وهو لا يبصر ، قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى قائده يكف ، nindex.php?page=showalam&ids=100وابن أم مكتوم يدفعه ولا يبصر; قال : حتى عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاتبه الله في ذلك ، فقال : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى ) إلى قوله : ( فأنت عنه تلهى ) قال
ابن زيد : كان يقال : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الوحي شيئا ، كتم هذا عن نفسه ، قال : وكان يتصدى لهذا الشريف في جاهليته رجاء أن يسلم ، وكان عن هذا يتلهى .
وقوله : (
وما يدريك لعله يزكى ) يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا محمد لعل هذا الأعمى الذي عبست في وجهه يزكى : يقول : يتطهر من ذنوبه .
وكان
ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
لعله يزكى ) يسلم .
وقوله : (
أو يذكر فتنفعه الذكرى ) يقول : أو يتذكر فتنفعه الذكرى : يعني : يعتبر فينفعه الاعتبار والاتعاظ ، والقراءة على رفع : ( فتنفعه ) عطفا به على قوله : ( يذكر ) ، وقد روي عن
عاصم النصب فيه والرفع ، والنصب على أن تجعله جوابا بالفاء للفعل ، كما قال الشاعر :
عل صروف الدهر أو دولاتها يدلننا اللمة من لماتها [ ص: 220 ] فتستريح النفس من زفراتها
وتنقع الغلة من غلاتها
" وتنقع " يروى بالرفع والنصب .