[ ص: 223 ] القول في
تأويل قوله تعالى : ( من أي شيء خلقه ( 18 )
من نطفة خلقه فقدره ( 19 )
ثم السبيل يسره ( 20 )
ثم أماته فأقبره ( 21 )
ثم إذا شاء أنشره ( 22 )
كلا لما يقض ما أمره ( 23 ) ) .
يقول تعالى ذكره : من أي شيء خلق الإنسان الكافر ربه حتى يتكبر ويتعظم عن طاعة ربه ، والإقرار بتوحيده . ثم بين جل ثناؤه الذي مما خلقه ، فقال : (
من نطفة خلقه فقدره ) أحوالا نطفة تارة ، ثم علقة أخرى ، ثم مضغة ، إلى أن أتت عليه أحواله وهو في رحم أمه . (
ثم السبيل يسره ) يقول : ثم يسره للسبيل ، يعني للطريق .
واختلف أهل التأويل في السبيل الذي يسره له ، فقال بعضهم : هو خروجه من بطن أمه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، (
ثم السبيل يسره ) يعني بذلك : خروجه من بطن أمه يسره له .
حدثني
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح (
ثم السبيل يسره ) قال : سبيل الرحم .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
ثم السبيل يسره ) قال : أخرجه من بطن أمه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
ثم السبيل يسره ) قال : خروجه من بطن أمه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ثم السبيل يسره ) قال : أخرجه من بطن أمه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : طريق الحق والباطل ، بيناه له وأعلمناه ، وسهلنا له العمل به .
[ ص: 224 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
ثم السبيل يسره ) قال : هو كقوله : (
إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
ثم السبيل يسره ) قال : على نحو (
إنا هديناه السبيل ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : سبيل الشقاء والسعادة ، وهو كقوله : (
إنا هديناه السبيل ) .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة قال : قال
الحسن ، في قوله : (
ثم السبيل يسره ) قال : سبيل الخير .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : (
ثم السبيل يسره ) قال : هداه للإسلام الذي يسره له ، وأعلمه به ، والسبيل سبيل الإسلام .
وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : ثم الطريق ، وهو الخروج من بطن أمه يسره .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأنه أشبههما بظاهر الآية ، وذلك أن الخبر من الله قبلها وبعدها عن صفته خلقه وتدبيره جسمه ، وتصريفه إياه في الأحوال ، فالأولى أن يكون أوسط ذلك نظير ما قبله وما بعده .
وقوله : (
ثم أماته فأقبره ) يقول : ثم قبض روحه ، فأماته بعد ذلك . يعني بقوله : ( أقبره ) صيره ذا قبر ، والقابر : هو الدافن الميت بيده ، كما قال
الأعشى :
لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر
[ ص: 225 ]
والمقبر : هو الله ، الذي أمر عباده أن يقبروه بعد وفاته ، فصيره ذا قبر . والعرب تقول فيما ذكر لي : بترت ذنب البعير ، والله أبتره ، وعضبت قرن الثور ، والله أعضبه; وطردت عني فلانا ، والله أطرده ، صيره طريدا .
وقوله : (
ثم إذا شاء أنشره ) يقول : ثم إذا شاء الله أنشره بعد مماته وأحياه ، يقال : أنشر الله الميت بمعنى : أحياه ، ونشر الميت بمعنى حيى هو بنفسه ، ومنه قول
الأعشى :
حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
وقوله : (
كلا لما يقض ما أمره ) يقول تعالى ذكره : كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله عليه ، في نفسه وماله ، (
لما يقض ما أمره ) لم يؤد ما فرض عليه من الفرائض ربه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
لما يقض ما أمره ) قال : لا يقضي أحد أبدا ما افترض عليه . وقال
الحارث : كل ما افترض عليه .