القول في
تأويل قوله تعالى : ( فلينظر الإنسان إلى طعامه ( 24 )
أنا صببنا الماء صبا ( 25 )
ثم شققنا الأرض شقا ( 26 )
فأنبتنا فيها حبا ( 27 )
وعنبا وقضبا ( 28 )
وزيتونا ونخلا ( 29 )
وحدائق غلبا ( 30 ) ) .
[ ص: 226 ]
يقول تعالى ذكره : فلينظر هذا الإنسان الكافر المنكر توحيد الله إلى طعامه كيف دبره .
كما حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
فلينظر الإنسان إلى طعامه ) وشرابه ، قال : إلى مأكله ومشربه .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
فلينظر الإنسان إلى طعامه ) آية لهم .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
أنا صببنا الماء صبا ) فقرأته عامة قراء
المدينة والبصرة بكسر الألف من " أنا " ، على وجه الاستئناف ، وقرأ ذلك عامة قراء
الكوفة " أنا " بفتح الألف ، بمعنى : فلينظر الإنسان إلى أنا ، فيجعل " أنا " في موضع خفض على نية تكرير الخافض ، وقد يجوز أن يكون رفعا إذا فتحت ، بنية طعامه ، (
أنا صببنا الماء صبا ) .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان : فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : (
أنا صببنا الماء صبا ) يقول : أنا أنزلنا الغيث من السماء إنزالا وصببناه عليها صبا (
ثم شققنا الأرض شقا ) يقول : ثم فتقنا الأرض فصدعناها بالنبات (
فأنبتنا فيها حبا ) يعني : حب الزرع ، وهو كل ما أخرجته الأرض من الحبوب كالحنطة والشعير ، وغير ذلك ( وعنبا ) يقول : وكرم عنب ( وقضبا ) يعني بالقضب : الرطبة ، وأهل
مكة يسمون القت القضب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : ( وقضبا ) يقول : الفصفصة .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ( وقضبا ) قال : والقضب : الفصافص .
قال
أبو جعفر رحمه الله : الفصفصة : الرطبة .
[ ص: 227 ]
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : ( وقضبا ) يعني : الرطبة .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا
يونس ، عن
الحسن ، في قوله : ( وقضبا ) قال : القضب : العلف .
وقوله : ( وزيتونا ) وهو الزيتون الذي منه الزيت (
ونخلا وحدائق غلبا ) وقد بينا أن الحديقة البستان المحوط عليه . وقوله : ( غلبا ) يعني : غلاظا . ويعني بقوله : ( غلبا ) أشجارا في بساتين غلاظ .
والغلب : جمع أغلب ، وهو الغليظ الرقبة من الرجال; ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
عوى فأثار أغلب ضيغميا فويل ابن المراغة ما استثارا ؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في البيان عنه ، فقال بعضهم : هو ما التف من الشجر واجتمع .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن إدريس ، عن
عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
وحدائق غلبا ) قال : الحدائق : ما التف واجتمع .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
وحدائق غلبا ) قال : طيبة .
وقال آخرون : الحدائق : نبت الشجر كله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو هشام ، قال : ثنا
ابن فضيل ، قال : ثنا
عصام ، عن أبيه : الحدائق : نبت الشجر كلها .
[ ص: 228 ]
حدثني
محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا
أبو عاصم ، عن
شبيب ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
وحدائق غلبا ) قال : الشجر يستظل به في الجنة .
وقال آخرون : بل الغلب : الطوال .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس (
وحدائق غلبا ) يقول : طوالا .
وقال آخرون : هو النخل الكرام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، في قوله : (
وحدائق غلبا ) والغلب : النخل الكرام .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
وحدائق غلبا ) قال : النخل الكرام .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
وحدائق غلبا ) عظام النخل العظيمة الجذع ، قال : والغلب من الرجال : العظام الرقاب ، يقال : هو أغلب الرقبة : عظيمها .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن أبيه ، عن
عكرمة ( حدائق غلبا ) قال : عظام الأوساط .