القول في تأويل قوله تعالى : ( وفاكهة وأبا ( 31 )
متاعا لكم ولأنعامكم ( 32 )
فإذا جاءت الصاخة ( 33 )
يوم يفر المرء من أخيه ( 34 )
وأمه وأبيه ( 35 )
وصاحبته وبنيه ( 36 )
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( 37 )
وجوه يومئذ مسفرة ( 38 )
ضاحكة مستبشرة ( 39 )
ووجوه يومئذ عليها غبرة ( 40 )
ترهقها قترة ( 41 )
أولئك هم الكفرة الفجرة ( 42 ) ) .
[ ص: 229 ]
يقول تعالى ذكره : ( وفاكهة ) ما يأكله الناس من ثمار الأشجار ، والأب : ما تأكله البهائم من العشب والنبات .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
مبارك ، عن
الحسن ( وفاكهة ) قال : ما يأكل ابن
آدم .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ( وفاكهة ) قال : ما أكل الناس .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ( وفاكهة ) قال : أما الفاكهة فلكم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : ( وفاكهة ) قال : الفاكهة لنا .
حدثنا
حميد بن مسعدة ، قال : ثنا
بشر بن المفضل ، قال : ثنا
حميد ، قال
أنس بن مالك : قرأ
عمر (
عبس وتولى ) حتى أتى على هذه الآية (
وفاكهة وأبا ) قال : قد علمنا ما الفاكهة ، فما الأب ؟ ثم أحسبه " شك
الطبري " قال : إن هذا لهو التكلف .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
ابن أبي عدي ، عن
حميد ، عن
أنس ، قال : قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضى الله عنه (
عبس وتولى ) فلما أتى على هذه الآية (
وفاكهة وأبا ) قال : قد عرفنا الفاكهة . فما الأب ؟ قال : لعمرك يا
بن الخطاب إن هذا لهو التكلف .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
موسى بن أنس ، عن
أنس ، قال : قرأ
عمر : (
وفاكهة وأبا ) ومعه عصا في يده ، فقال : ما الأب ، ثم قال : بحسبنا ما قد علمنا ، وألقى العصا من يده .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
خليد بن جعفر ، عن
أبي إياس معاوية بن قرة ، عن
أنس ، عن
عمر رضي الله عنه أنه قال : إن هذا هو التكلف .
قال : وحدثني
قتادة ، عن
أنس ، عن
عمر بنحو هذا الحديث كله .
حدثنا
أبو كريب وأبو السائب ويعقوب قالوا : ثنا
ابن إدريس ، قال : سمعت
[ ص: 230 ] عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قال : عد سبعا جعل رزقه في سبعة ، وجعله من سبعة ، وقال في آخر ذلك : الأب : ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس .
حدثنا
أبو هشام ، قال : ثنا
ابن فضيل ، قال : ثنا
عاصم ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قال : الأب : نبت الأرض مما تأكله الدواب ، ولا يأكله الناس .
حدثنا
أبو كريب وأبو السائب ، قالا ثنا
ابن إدريس ، قال : ثنا
عبد الملك ، عن
سعيد بن جبير ، قال : عد
ابن عباس ، وقال : الأب : ما أنبتت الأرض للأنعام ، وهذا لفظ حديث
أبي كريب . وقال
أبو السائب في حديثه : قال : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قال : الأب : الكلأ والمرعى كله .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
أبي رزين ، قال : الأب النبات .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
أبي رزين ، مثله .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
الأعمش أو غيره ، عن
مجاهد ، قال : الأب : المرعى .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، قال : قال
مجاهد : ( وأبا ) المرعى .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
مبارك ، عن
الحسن ( وأبا ) قال : الأب : ما تأكل الأنعام .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله ( وأبا ) قال : الأب : ما أكلت الأنعام .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة : أما الأب : فلأنعامكم نعم من الله متظاهرة .
حدثنا
ابن بشر ، قال : ثنا
عبد الواحد ، قال : ثنا
يونس ، عن
الحسن ، في قوله : ( وأبا ) قال : الأب : العشب .
[ ص: 231 ]
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن ، وقتادة ، في قوله ( وأبا ) قال : هو ما تأكله الدواب .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله ( وأبا ) يعني : المرعى .
حدثنا
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله ( وأبا ) قال : الأب لأنعامنا ، قال : والأب : ما ترعى . وقرأ : (
متاعا لكم ولأنعامكم ) .
قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرني
يونس nindex.php?page=showalam&ids=16700وعمرو بن الحارث ، عن
ابن شهاب أن
أنس بن مالك حدثه أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : قال الله : (
وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ) كل هذا قد علمناه ، فما الأب ؟ ثم ضرب بيده ، ثم قال : لعمرك إن هذا لهو التكلف ، واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب ، قال
عمر : وما يتبين فعليكم به ، وما لا فدعوه .
وقال آخرون : الأب : الثمار الرطبة .
ذكر من قال ذلك .
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله ( وأبا ) يقول : الثمار الرطبة .
وقوله : (
متاعا لكم ) يقول : أنبتنا هذه الأشياء التي يأكلها بنو
آدم متاعا لكم أيها الناس ، ومنفعة تتمتعون بها ، وتنتفعون ، والتي يأكلها الأنعام لأنعامكم ، وأصل الأنعام الإبل ، ثم تستعمل في كل راعية .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
الحسن ، في
قوله : ( متاعا لكم ولأنعامكم ) قال : متاعا لكم الفاكهة ، ولأنعامكم العشب .
وقوله : (
فإذا جاءت الصاخة ) ذكر أنها اسم من أسماء القيامة ، وأحسبها مأخوذة من قولهم : صاخ فلان لصوت فلان : إذا استمع له ، إلا أن هذا يقال منه : هو مصيخ له ، ولعل الصوت هو الصاخ ، فإن يكن ذلك كذلك ، فينبغي أن يكون قبل ذلك لنفخة الصور .
[ ص: 232 ]
ذكر من قال : هو اسم من أسماء القيامة
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
فإذا جاءت الصاخة ) قال : هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله ، وحذره عباده .
وقوله : ( يوم يفر المرء من أخيه ) يقول : فإذا جاءت الصاخة في هذا اليوم الذي يفر فيه المرء من أخيه . ويعني بقوله : يفر من أخيه : يفر عن أخيه (
وأمه وأبيه وصاحبته ) يعني : زوجته التي كانت زوجته في الدنيا ( وبنيه ) حذرا من مطالبتهم إياه بما بينه وبينهم من التبعات والمظالم .
وقال بعضهم : معنى قوله : (
يفر المرء من أخيه ) يفر عن أخيه لئلا يراه ، وما ينزل به ، (
لكل امرئ ) يعني : من الرجل وأخيه وأمه وأبيه ، وسائر من ذكر في هذه الآية ( يومئذ ) يعني : يوم القيامة إذا جاءت الصاخة يوم القيامة (
شأن يغنيه ) يقول : أمر يغنيه ، ويشغله عن شأن غيره .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) أفضي إلى كل إنسان ما يشغله عن الناس .
حدثنا
أبو عمارة المروزي الحسين بن حريث ، قال : ثنا
الفضل بن موسى ، عن
عائذ بن شريح ، عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812674سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به ، قال : " إن كان عندي منه علم " قالت : يا نبي الله كيف يحشر الرجال ؟ قال : " حفاة عراة " ، ثم انتظرت ساعة فقالت : يا نبي الله كيف يحشر النساء ؟ قال : " كذلك حفاة عراة " ، قالت : واسوأتاه من يوم القيامة ، قال : " وعن ذلك تسأليني ؟ إنه قد نزلت علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أم لا " ، قالت : أي آية هي يا نبي الله ؟ قال : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قول الله : (
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) قال : شأن قد شغله عن صاحبه .
وقوله : (
وجوه يومئذ مسفرة ) يقول تعالى ذكره : وجوه يومئذ مشرقة مضيئة ، وهي وجوه المؤمنين الذين قد رضي الله عنهم ، يقال : أسفر وجه فلان : إذا
[ ص: 233 ] حسن ، ومنه أسفر الصبح : إذا أضاء ، وكل مضيء فهو مسفر ، وأما سفر بغير ألف ، فإنما يقال للمرأة إذا ألقت نقابها عن وجهها أو برقعها ، يقال : قد سفرت المرأة عن وجهها إذا فعلت ذلك فهي سافر; ومنه قول
توبة بن الحمير :
وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها
يعني بقوله : " سفورها " القاءها برقعها عن وجهها .
( ضاحكة ) يقول : ضاحكة من السرور بما أعطاها الله من النعيم والكرامة ( مستبشرة ) لما ترجو من الزيادة .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( مسفرة ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله ( مسفرة ) يقول : مشرقة .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : (
وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ) قال : هؤلاء أهل الجنة .
وقوله : (
ووجوه يومئذ عليها غبرة ) يقول تعالى ذكره : ( ووجوه ) وهي وجوه الكفار يومئذ عليها غبرة . ذكر أن البهائم التي يصيرها الله ترابا يومئذ بعد القضاء بينها ، يحول ذلك التراب غبرة في وجوه أهل الكفر (
ترهقها قترة ) يقول : يغشى تلك الوجوه قترة ، وهي الغبرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 234 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
ترهقها قترة ) يقول : تغشاها ذلة .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
ترهقها قترة ) قال : هذه وجوه أهل النار; قال : والقترة من الغبرة ، قال : وهما واحد ، قال : فأما في الدنيا فإن القترة : ما ارتفع ، فلحق بالسماء ، ورفعته الريح ، تسميه العرب القترة ، وما كان أسفل في الأرض فهو الغبرة .
وقوله : (
أولئك هم الكفرة الفجرة ) يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه صفتهم يوم القيامة هم الكفرة بالله ، كانوا في الدنيا الفجرة في دينهم ، لا يبالون ما أتوا به من معاصي الله ، وركبوا من محارمه ، فجزاهم الله بسوء أعمالهم ما أخبر به عباده .
آخر تفسير سورة عبس .