القول في تأويل قوله تعالى : ( والليل إذا عسعس ( 17 )
والصبح إذا تنفس ( 18 )
إنه لقول رسول كريم ( 19 )
ذي قوة عند ذي العرش مكين ( 20 ) ) .
أقسم ربنا جل ثناؤه بالليل إذا عسعس ، يقول : وأقسم بالليل إذا عسعس .
واختلف أهل التأويل في قوله : (
والليل إذا عسعس ) فقال بعضهم : عني بقوله : (
إذا عسعس ) إذا أدبر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
والليل إذا عسعس ) يقول : إذا أدبر .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
والليل إذا عسعس ) يعني : إذا أدبر .
حدثنا
عبد الحميد بن بيان اليشكري ، قال : ثنا
محمد بن يزيد ، عن
إسماعيل [ ص: 256 ] بن أبي خالد ، عن رجل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12062أبي ظبيان ، قال : كنت أتبع
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو خارج نحو المشرق ، فاستقبل الفجر ، فقرأ هذه الآية : (
والليل إذا عسعس ) .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن إدريس ، عن
الحسن بن عبيد الله ، عن
سعد بن عبيدة ، عن
أبي عبد الرحمن ، قال : خرج
علي عليه السلام مما يلي باب السوق ، وقد طلع الصبح أو الفجر ، فقرأ : (
والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) أين السائل عن الوتر ، نعم ساعة الوتر هذه .
ثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قوله : (
والليل إذا عسعس ) قال : إقباله ، ويقال : إدباره .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
والليل إذا عسعس ) : إذا أدبر .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
إذا عسعس ) قال : إذا أدبر .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
إذا عسعس ) إذا أدبر .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
مسعر ، عن
أبي حصين ، عن
أبي عبد الرحمن ، قال : خرج
علي عليه السلام بعد ما أذن المؤذن بالصبح ، فقال : (
والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) أين السائل عن الوتر ؟ قال : نعم ساعة الوتر هذه .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
والليل إذا عسعس ) قال : عسعس تولى ، وقال : تنفس الصبح من هاهنا ، وأشار إلى المشرق طلاع الفجر .
وقال آخرون : عني بقوله : (
إذا عسعس ) إذا أقبل بظلامه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن (
والليل إذا عسعس ) قال : إذا غشي الناس .
حدثنا
الحسين بن علي الصدائي ، قال : ثني أبي ، عن
الفضيل ، عن
عطية (
والليل إذا عسعس )
[ ص: 257 ] قال : أشار بيده إلى المغرب .
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي قول من قال : معنى ذلك : إذا أدبر ، وذلك لقوله : (
والصبح إذا تنفس ) فدل بذلك على أن القسم بالليل مدبرا ، وبالنهار مقبلا والعرب تقول : عسعس الليل ، وسعسع الليل : إذا أدبر ، ولم يبق منه إلا اليسير; ومن ذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج :
يا هند ما أسرع ما تسعسعا ولو رجا تبع الصبا تتبعا
فهذه لغة من قال : سعسع; وأما لغة من قال : عسعس ، فقول
علقمة بن قرط :
حتى إذا الصبح لها تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
يعني أدبر . وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب ، يزعم أن عسعس : دنا من أوله وأظلم . وقال
الفراء : كان
أبو البلاد النحوي ينشد بيتا :
عسعس حتى لو يشاء إدنا كان له من ضوئه مقبس
يقول : لو يشاء إذ دنا ، ولكنه أدغم الذال في الدال ، قال الفراء : فكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع .
وقوله : (
والصبح إذا تنفس ) يقول : وضوء النهار إذا أقبل وتبين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 258 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن يمان ، عن
أشعث ، عن
جعفر ، عن
سعيد ، في قوله : (
والصبح إذا تنفس ) قال : إذا نشأ .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
والصبح إذا تنفس ) : إذا أضاء وأقبل .
وقوله : ( إنه لقول رسول كريم ) يقول تعالى ذكره : إن هذا القرآن لتنزيل رسول كريم; يعني :
جبريل ، نزله على
محمد بن عبد الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، أنه كان يقول : (
إنه لقول رسول كريم ) يعني :
جبريل .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، أنه كان يقول : (
إنه لقول رسول كريم ) قال : هو
جبريل .
وقوله : ( ذي قوة عند ذي العرش مكين ) يقول تعالى ذكره : ذي قوة ، يعني :
جبرائيل على ما كلف من أمر غير عاجز (
عند ذي العرش مكين ) يقول : هو مكين عند رب العرش العظيم .