القول في
تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ( 6 )
الذي خلقك فسواك فعدلك ( 7 )
في أي صورة ما شاء ركبك ( 8 ) ) .
يقول تعالى ذكره : يا أيها الإنسان الكافر ، أي شيء غرك بربك الكريم ، غر الإنسان به عدوه المسلط عليه .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ما غرك بربك الكريم ) شيء ما غر ابن
آدم هذا العدو الشيطان .
وقوله : (
الذي خلقك فسواك ) يقول : الذي خلقك أيها الإنسان فسوى خلقك ( فعدلك ) واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء
المدينة ومكة والشام والبصرة ( فعدلك ) بتشديد الدال ، وقرأ ذلك عامة قراء
الكوفة بتخفيفها ، وكأن من قرأ ذلك بالتشديد وجه معنى الكلام إلى أنه جعلك معتدلا معدل الخلق مقوما ، وكأن الذين قرءوه بالتخفيف ، وجهوا معنى الكلام إلى صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء ، إما إلى صورة حسنة ، وإما إلى صورة قبيحة ، أو إلى صورة بعض قراباته .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن أعجبهما إلي أن أقرأ به قراءة من قرأ ذلك بالتشديد ، لأن دخول " في " للتعديل أحسن في العربية من دخولها للعدل ، ألا ترى أنك تقول : عدلتك في كذا ، وصرفتك إليه ، ولا تكاد تقول : عدلتك
[ ص: 270 ] إلى كذا وصرفتك فيه ، فلذلك اخترت التشديد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك وذكرنا أن قارئي ذلك تأولوه ، جاءت الرواية عن أهل التأويل أنهم قالوه .
ذكر الرواية بذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : (
في أي صورة ما شاء ركبك ) قال : في أي شبه أب أو أم أو خال أو عم .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل ، في قوله : (
ما شاء ركبك ) قال : إن شاء في صورة كلب ، وإن شاء في صورة حمار .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح (
في أي صورة ما شاء ركبك ) قال : خنزيرا أو حمارا .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء ، عن
عكرمة ، في قوله : (
في أي صورة ما شاء ركبك ) قال : إن شاء في صورة قرد ، وإن شاء في صورة خنزير .
حدثني
محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا
مطهر بن الهيثم ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17178موسى بن علي بن أبي رباح اللخمي ، قال : ثني أبي ، عن جدي ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=812796أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " ما ولد لك؟ " قال : يا رسول الله ما عسى أن يولد لي ، إما غلام ، وإما جارية ، قال : " فمن يشبه؟ " قال : يا رسول الله من عسى أن يشبه ؟ إما أباه ، وإما أمه; فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندها : " مه ، لا تقولن هكذا ، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر الله كل نسب بينها وبين آدم ، أما قرأت هذه الآية في كتاب الله ( في أي صورة ما شاء ركبك ) قال : سلكك " .