القول في
تأويل قوله تعالى : ( وإن الفجار لفي جحيم ( 14 )
يصلونها يوم الدين ( 15 )
وما هم عنها بغائبين ( 16 )
وما أدراك ما يوم الدين ( 17 )
ثم ما أدراك ما يوم الدين ( 18 )
يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ( 19 ) ) .
[ ص: 272 ] يقول تعالى ذكره : (
وإن الفجار ) الذين كفروا بربهم (
لفي جحيم ) .
وقوله : (
يصلونها يوم الدين ) يقول جل ثناؤه : يصلى هؤلاء الفجار الجحيم يوم القيامة ، يوم يدان العباد بالأعمال ، فيجازون بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
يوم الدين ) من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذره عباده .
وقوله : (
وما هم عنها بغائبين ) يقول تعالى ذكره : وما هؤلاء الفجار من الجحيم بخارجين أبدا ، فغائبين عنها ، ولكنهم فيها مخلدون ماكثون ، وكذلك الأبرار في النعيم ، وذلك نحو قوله : (
وما هم منها بمخرجين ) .
وقوله : (
وما أدراك ما يوم الدين ) يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : وما أدراك يا
محمد ، أي وما أشعرك ما يوم الدين ؟ يقول : أي شيء يوم الحساب والمجازاة ، معظما شأنه جل ذكره ، بقيله ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وما أدراك ما يوم الدين ) تعظيما ليوم القيامة ، يوم تدان فيه الناس بأعمالهم .
وقوله : (
ثم ما أدراك ما يوم الدين ) يقول : ثم أي شيء أشعرك يوم المجازاة والحساب يا محمد ، تعظيما لأمره ، ثم فسر جل ثناؤه بعض شأنه فقال : (
يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) يقول : ذلك اليوم ، (
يوم لا تملك نفس ) يقول : يوم لا تغني نفس عن نفس شيئا ، فتدفع عنها بلية نزلت بها ، ولا تنفعها بنافعة ، وقد كانت في الدنيا تحميها ، وتدفع عنها من بغاها سوءا ، فبطل ذلك يومئذ ، لأن الأمر صار لله الذي لا يغلبه غالب ، ولا يقهره قاهر ، واضمحلت هنالك الممالك ، وذهبت الرياسات ، وحصل الملك للملك الجبار ، وذلك قوله : (
والأمر يومئذ لله ) يقول : والأمر كله
[ ص: 273 ] يومئذ ، يعني : الدين لله دون سائر خلقه ، ليس لأحد من خلقه معه يومئذ أمر ولا نهي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
والأمر يومئذ لله ) قال : ليس ثم أحد يومئذ يقضي شيئا ، ولا يصنع شيئا إلا رب العالمين .
حدثنا بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) والأمر والله اليوم لله ، ولكنه يومئذ لا ينازعه أحد .
واختلفت القراء في قراءة قوله : (
يوم لا تملك نفس ) فقرأته عامة قراء
الحجاز والكوفة بنصب ( يوم ) إذ كانت إضافته غير محضة . وقرأه بعض قراء
البصرة بضم ( يوم ) ورفعه ردا على اليوم الأول ، والرفع فيه أفصح في كلام العرب ، وذلك أن اليوم مضاف إلى يفعل ، والعرب إذا أضافت اليوم إلى تفعل أو يفعل أو أفعل ، رفعوه فقالوا : هذا يوم أفعل كذا ، وإذا أضافته إلى فعل ماض نصبوه; ومنه قول الشاعر :
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما تصح والشيب وازع
آخر تفسير سورة (
إذا السماء انفطرت ) .