القول في تأويل قوله تعالى : ( وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ( 12 )
إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( 13 )
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( 14 ) ) .
يقول تعالى ذكره : وما يكذب بيوم الدين (
إلا كل معتد ) اعتدى على الله في قوله ، فخالف أمره ( أثيم ) بربه .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ويل يومئذ للمكذبين ) قال الله : (
وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ) أي بيوم الدين ، إلا كل معتد في قوله ، أثيم بربه ، (
إذا تتلى عليه آياتنا ) يقول تعالى ذكره : إذا قرئ عليه حججنا وأدلتنا التي بيناها في كتابنا الذي أنزلناه إلى
محمد صلى الله عليه وسلم
[ ص: 286 ] (
قال أساطير الأولين ) يقول : قال : هذا ما سطره الأولون فكتبوه ، من الأحاديث والأخبار .
وقوله : (
كلا بل ران على قلوبهم ) يقول تعالى ذكره مكذبا لهم في قيلهم ذلك : ( كلا ) ، ما ذلك كذلك ، ولكنه (
ران على قلوبهم ) . يقول : غلب على قلوبهم وغمرها وأحاطت بها الذنوب فغطتها ، يقال منه : رانت الخمر على عقله ، فهي ترين عليه رينا ، وذلك إذا سكر ، فغلبت على عقله; ومنه قول
أبي زبيد الطائي :
ثم لما رآه رانت به الخم ر وأن لا ترينه باتقاء
يعني : ترينه بمخافة ، يقول : سكر فهو لا ينتبه; ومنه قول الراجز :
لم نرو حتى هجرت ورين بي ورين بالساقي الذي أمسى معي
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
أبو خالد ، عن
ابن عجلان ، عن
القعقاع بن حكيم ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811850 " إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب صقل منها ، فإن عاد عادت حتى تعظم في قلبه ، فذلك الران الذي قال الله : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
صفوان بن عيسى ، قال : ثنا
ابن عجلان ، عن
القعقاع ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811146 " إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقلت [ ص: 287 ] قلبه ، فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي قال الله : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) " .
حدثني
علي بن سهيل ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن
محمد بن عجلان ، عن
القعقاع بن حكيم ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811147 " إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب منها صقل قلبه ، فإن زاد زادت فذلك قول الله : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) " .
حدثني
أبو صالح الضراري محمد بن إسماعيل ، قال : أخبرني
طارق بن عبد العزيز ، عن
ابن عجلان ، عن
القعقاع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811148 " إن العبد إذا أخطأ خطيئة كانت نكتة في قلبه ، فإن تاب واستغفر ونزع صقلت قلبه ، وذلك الران الذي قال الله : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال :
أبو صالح : كذا قال : صقلت ، وقال غيره : سقلت .
حدثني
علي بن سهيل الرملي ، قال : ثنا
الوليد ، عن
خليد ، عن
الحسن ، قال : وقرأ (
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : الذنب على الذنب حتى يموت قلبه .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء ، عن
الحسن ، في قوله : (
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت .
حدثني
يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14919فضيل بن عياض ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال :
العبد يعمل بالذنوب فتحيط بالقلب ، ثم ترتفع ، حتى تغشى القلب .
حدثني
عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا
يحيى بن عيسى ، عن
الأعمش ، قال : أرانا
مجاهد بيده ، قال : كانوا يرون القلب في مثل هذا يعني : الكف ، فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه ، وقال بأصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنب ضم أصبعا أخرى ، فإذا أذنب ضم أصبعا أخرى ، حتى ضم أصابعه كلها ، ثم يطبع عليه بطابع ، قال
مجاهد : وكانوا يرون أن ذلك الرين .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
الأعمش ، عن
مجاهد ، قال : القلب مثل الكف ، فإذا أذنب الذنب قبض أصبعا ، حتى يقبض أصابعه كلها ، وإن أصحابنا يرون أنه الران .
حدثنا
أبو كريب مرة أخرى بإسناده عن
مجاهد قال : القلب
[ ص: 288 ] مثل الكف ، وإذا أذنب انقبض وقبض أصبعه ، فإذا أذنب انقبض حتى ينقبض كله ، ثم يطبع عليه ، فكانوا يرون أن ذلك هو الران (
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .
حدثنا
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قول الله : (
بل ران على قلوبهم ) قال : الخطايا حتى غمرته .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
بل ران على قلوبهم ) انبثت على قلبه الخطايا حتى غمرته .
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
كلا بل ران على قلوبهم ) يقول : يطبع .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : طبع على قلوبهم ما كسبوا .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
طلحة ، عن
عطاء (
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : غشيت على قلوبهم فهوت بها ، فلا يفزعون ، ولا يتحاشون .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
الحسن (
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : هو الذنب حتى يموت القلب .
قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
كلا بل ران على قلوبهم ) قال : الران : الطبع يطبع القلب مثل الراحة ، فيذنب الذنب فيصير هكذا ، وعقد سفيان الخنصر ، ثم يذنب الذنب فيصير هكذا ، وقبض سفيان كفه ، فيطبع عليه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) أعمال السوء ، أي والله ذنب على ذنب ، وذنب على ذنب حتى مات قلبه واسود .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله :
[ ص: 289 ] (
كلا بل ران على قلوبهم ) قال : هذا الذنب على الذنب ، حتى يرين على القلب فيسود .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
كلا بل ران على قلوبهم ) قال : غلب على قلوبهم ذنوبهم ، فلا يخلص إليها معها خير .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
مجاهد ، في قوله : (
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : الرجل يذنب الذنب ، فيحيط الذنب بقلبه حتى تغشى الذنوب عليه . قال
مجاهد : وهي مثل الآية التي في سورة البقرة (
بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .