القول في تأويل
قوله تعالى : ( على الأرائك ينظرون ( 23 )
تعرف في وجوههم نضرة النعيم ( 24 )
يسقون من رحيق مختوم ( 25 )
ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ( 26 ) ) .
يعني تعالى ذكره بقوله : (
على الأرائك ينظرون ) على السرر في الحجال من اللؤلؤ والياقوت ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعيم ، والحبرة في الجنان .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
على الأرائك ) قال : من اللؤلؤ والياقوت .
قال : ثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
حصين ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس ( الأرائك ) السرر في الحجال .
وقوله : (
تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) يقول تعالى ذكره : تعرف في الأبرار الذين وصف الله صفتهم (
نضرة النعيم ) ، يعني : حسنه وبريقه وتلألؤه .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( تعرف ) فقرأته عامة قراء الأمصار سوى
أبي جعفر القارئ (
تعرف في وجوههم ) بفتح التاء من تعرف على وجه الخطاب (
نضرة النعيم ) بنصب نضرة . وقرأ ذلك
أبو جعفر : ( تعرف ) بضم التاء على وجه ما لم يسم فاعله (
في وجوههم نضرة النعيم ) برفع نضرة .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا : ما عليه قراء الأمصار ، وذلك فتح التاء من ( تعرف ) ونصب ( نضرة ) .
وقوله : (
يسقون من رحيق مختوم ) يقول : يسقى هؤلاء الأبرار من خمر صرف لا غش فيها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن [ ص: 296 ] عباس ، في قوله : (
يسقون من رحيق مختوم ) قال : من الخمر .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
يسقون من رحيق مختوم ) يعني بالرحيق : الخمر .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
يسقون من رحيق مختوم ) قال : خمر .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد ، قال : الرحيق : الخمر .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ( رحيق ) قال : هو الخمر .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
يسقون من رحيق مختوم ) يقول : الخمر .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
يسقون من رحيق مختوم ) الرحيق المختوم : الخمر ، قال حسان :
يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء ، عن
الحسن ، في قوله : (
يسقون من رحيق مختوم ) قال : هو الخمر .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
الأعمش ، عن
عبد الله بن مرة ، عن
مسروق ، عن
عبد الله قال : الرحيق : الخمر .
وأما قوله : (
مختوم ختامه مسك ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ممزوج مخلوط ، مزاجه وخلطه مسك .
[ ص: 297 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
أشعث بن أبي الشعثاء ، عن
يزيد بن معاوية ، وعلقمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود (
ختامه مسك ) قال : ليس بخاتم ، ولكن خلط .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا ثنا
سفيان ، عن
أشعث بن سليم ، عن
يزيد بن معاوية ، عن
علقمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود (
ختامه مسك ) قال : أما إنه ليس بالخاتم الذي يختم ، أما سمعتم المرأة من نسائكم تقول : طيب كذا وكذا خلطه مسك .
حدثني
محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا
أيوب ، عن
أشعث بن أبي الشعثاء عمن ذكره عن
علقمة ، في قوله : (
ختامه مسك ) قال : خلطه مسك .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
الأعمش ، عن
عبد الله بن مرة ، عن
مسروق ، عن
عبد الله ( مختوم ) قال : ممزوج (
ختامه مسك ) قال : طعمه وريحه .
قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن أبيه ، عن
أشعث بن أبي الشعثاء ، عن
يزيد بن معاوية ، عن
علقمة (
ختامه مسك ) قال : طعمه وريحه مسك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن آخر شرابهم يختم بمسك يجعل فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
رحيق مختوم ختامه مسك ) يقول : الخمر ختم بالمسك .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
ختامه مسك ) قال : طيب الله لهم الخمر ، فكان آخر شيء جعل فيها حتى تختم المسك .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
ختامه مسك ) قال : عاقبته مسك قوم تمزج لهم بالكافور ، وتختم بالمسك .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
ختامه مسك ) قال : عاقبته مسك .
[ ص: 298 ]
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
ختامه مسك ) قال : طيب الله لهم الخمر ، فوجدوا فيها في آخر شيء منها ريح المسك .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
حاتم بن وردان ، قال : ثنا
أبو حمزة ، عن
إبراهيم والحسن في هذه الآية : (
ختامه مسك ) قال : عاقبته مسك .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
أبو حمزة ، عن
جابر عن
عبد الرحمن بن سابط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء (
ختامه مسك ) فالشراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم ، ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها ، لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها .
وقال آخرون : عني بقوله : ( مختوم ) مطين (
ختامه مسك ) طينه مسك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح . عن
مجاهد ، قوله : (
مختوم ختامه مسك ) قال : طينه مسك .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : ( مختوم ) الخمر (
ختامه مسك ) : ختامه عند الله مسك ، وختامها اليوم في الدنيا طين .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : معنى ذلك : آخره وعاقبته مسك : أي هي طيبة الريح ، إن ريحها في آخر شربهم يختم لها بريح المسك .
وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة; لأنه لا وجه للختم في كلام العرب إلا الطبع والفراغ ، كقولهم : ختم فلان القرآن : إذا أتى على آخره ، فإذا كان لا وجه للطبع على شراب أهل الجنة ، يفهم إذا كان شرابهم جاريا ، جري الماء في الأنهار ، ولم يكن معتقا في الدنان فيطين عليها وتختم ، تعين أن الصحيح من ذلك الوجه الآخر وهو العاقبة والمشروب آخرا ، وهو الذي ختم به الشراب . وأما الختم بمعنى : : المزج ، فلا نعلمه مسموعا من كلام العرب .
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار : (
ختامه مسك )
[ ص: 299 ] سوى
الكسائي ، فإنه كان يقرؤه (
خاتمه مسك ) .
والصواب من القول عندنا في ذلك ما عليه قرأة الأمصار ، وهو ( ختامه ) لإجماع الحجة من القراء عليه ، والختام والخاتم وإن اختلفا في اللفظ ، فإنهما متقاربان في المعنى غير أن الخاتم اسم ، والختام مصدر; ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق .
فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام
ونظير ذلك قولهم : هو كريم الطبائع والطباع .
وقوله : (
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) يقول تعالى ذكره : وفي هذا النعيم الذي وصف جل ثناؤه أنه أعطى هؤلاء الأبرار في القيامة ، فليتنافس المتنافسون . والتنافس : أن ينفس الرجل على الرجل بالشيء يكون له ، ويتمنى أن يكون له دونه ، وهو مأخوذ من الشيء النفيس ، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس ، وتطلبه وتشتهيه ، وكان معناه في ذلك . فليجد الناس فيه ، وإليه فليستبقوا في طلبه ، ولتحرص عليه نفوسهم .