[ ص: 306 ] [ ص: 307 ] [ ص: 308 ] [ ص: 309 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في
تأويل قوله تعالى : ( إذا السماء انشقت ( 1 )
وأذنت لربها وحقت ( 2 )
وإذا الأرض مدت ( 3 )
وألقت ما فيها وتخلت ( 4 )
وأذنت لربها وحقت ( 5 ) ) .
يقول تعالى ذكره : إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبوابا .
وقوله : (
وأذنت لربها وحقت ) يقول : وسمعت السماوات في تصدعها وتشققها لربها وأطاعت له في أمره إياها ، والعرب تقول : أذن لك في هذا الأمر أذنا بمعنى : استمع لك ، ومنه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810590 " ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن " يعني بذلك : ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن ، ومنه قول الشاعر :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وأصل قولهم في الطاعة سمع له من الاستماع ، يقال منه : سمعت لك ، بمعنى سمعت قولك ، وأطعت فيما قلت وأمرت .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : (
وأذنت لربها ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
[ ص: 310 ] ابن عباس ، قوله : (
وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت لربها .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن يمان ، عن
أشعث ، عن
جعفر ، عن
سعيد ، في قوله : (
وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت وأطاعت .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : (
وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت .
حدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت وأطاعت .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
وأذنت لربها وحقت ) أي : سمعت وأطاعت .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت وأطاعت .
وقوله : ( وحقت ) يقول : وحقق الله عليها الاستماع بالانشقاق والانتهاء إلى طاعته في ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله : ( وحقت ) قال : حققت لطاعة ربها .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
أشعث بن إسحاق ، عن
جعفر ، عن
سعيد بن جبير ( وحقت ) وحق لها .
وقوله : (
وإذا الأرض مدت ) يقول تعالى ذكره : وإذا الأرض بسطت ، فزيدت في سعتها .
كالذي حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الزهري ، عن
علي بن حسين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=812677إذا كان يوم القيامة مد الله [ ص: 311 ] الأرض حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه ، فأكون أول من يدعى ، وجبريل عن يمين الرحمن ، والله ما رآه قبلها ، فأقول : يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي ، فيقول : صدق ، ثم أشفع فأقول : يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض . - قال - : وهو المقام المحمود" .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : ( مدت ) قال : يوم القيامة .
وقوله : (
وألقت ما فيها وتخلت ) يقول جل ثناؤه : وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلت منهم إلى الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
وألقت ما فيها وتخلت ) قال : أخرجت ما فيها من الموتى .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وألقت ما فيها وتخلت ) قال : أخرجت أثقالها وما فيها .
وقوله : (
وأذنت لربها وحقت ) يقول : وسمعت الأرض في إلقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء أمر ربها وأطاعت ( وحقت ) يقول : وحققها الله للاستماع لأمره في ذلك ، والانتهاء إلى طاعته .
واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله : (
إذا السماء انشقت ) ، وقوله : (
وإذا الأرض مدت ) فقال بعض نحويي
البصرة : (
إذا السماء انشقت ) على معنى قوله : (
يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) إذا السماء انشقت ، على التقديم والتأخير .
وقال بعض نحويي
الكوفة : قال بعض المفسرين : جواب (
إذا السماء انشقت ) قوله : ( وأذنت ) قال : ونرى أنه رأي ارتآه المفسر ، وشبهه بقول الله تعالى : (
حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ) لأنا لم نسمع جوابا بالواو في إذا مبتدأة ، ولا كلام قبلها ،
[ ص: 312 ] ولا في إذا ، إذا ابتدئت . قال : وإنما تجيب العرب بالواو في قوله : حتى إذا كان ، وفلما أن كان ، لم يجاوزوا ذلك ; قال : والجواب في (
إذا السماء انشقت ) وفي (
إذا الأرض مدت ) كالمتروك ; لأن المعنى معروف قد تردد في القرآن معناه ، فعرف وإن شئت كان جوابه : يأيها الإنسان ، كقول القائل : إذا كان كذا وكذا ، فيا أيها الناس ترون ما عملتم من خير أو شر ، تجعل (
يا أيها الإنسان ) هو الجواب ، وتضمر فيه الفاء ، وقد فسر جواب (
إذا السماء انشقت ) فيما يلقى الإنسان من ثواب وعقاب ، فكأن المعنى : ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن جوابه محذوف ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه . ومعنى الكلام : (
إذا السماء انشقت ) رأى الإنسان ما قدم من خير أو شر ، وقد بين ذلك قوله : (
يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) والآيات بعدها .