صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه ( 7 ) فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( 8 ) وينقلب إلى أهله مسرورا ( 9 ) ) .

يقول تعالى ذكره : يأيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملا فملاقيه به خيرا كان عملك ذلك أو شرا ، يقول : فليكن عملك مما ينجيك من سخطه ، ويوجب لك رضاه ، ولا يكن مما يسخطه عليك فتهلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) يقول : تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) إن كدحك يا ابن آدم لضعيف ، فمن [ ص: 313 ] استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ، ولا قوة إلا بالله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( إنك كادح إلى ربك كدحا ) قال : عامل له عملا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسمعته يقول في ذلك : ( إنك كادح إلى ربك كدحا ) قال : عامل إلى ربك عملا . قال : كدحا : العمل .

وقوله : ( فأما من أوتي كتابه بيمينه ) يقول تعالى ذكره : فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) بأن ينظر في أعماله ، فيغفر له سيئها ، ويجازى على حسنها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الواحد بن حمزة ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم حاسبني حسابا يسيرا " قلت : يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال : " أن ينظر في سيئاته فيتجاوز عنه ، إنه من نوقش الحساب يومئذ هلك " .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته : " اللهم حاسبني حسابا يسيرا " ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال : " ينظر في كتابه ، ويتجاوز عنه ، إنه من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك " .

حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال : ثنا مسلم ، عن الحريش بن الخريت أخي الزبير ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : من نوقش الحساب ، أو من حوسب عذب ، قال : ثم قالت : إنما الحساب اليسير : عرض على الله وهو يراهم .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا أيوب ، وحدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة أن رسول الله [ ص: 314 ] صلى الله عليه وسلم ، قال : " من حوسب يوم القيامة عذب " فقلت : أليس الله يقول : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : " ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض ، ولكن من نوقش الحساب يوم القيامة عذب " .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا أبو عامر الخزاز ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذبا " فقلت : أليس يقول الله : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) ؟ قال : " ذلك العرض ، إنه من نوقش الحساب عذب " وقال بيده على أصبعه كأنه ينكته .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : الحساب اليسير : الذي يغفر ذنوبه ، ويتقبل حسناته ، ويسير الحساب الذي يعفى عنه ، وقرأ : ( ويخافون سوء الحساب ) ، وقرأ : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة ) .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن عثمان بن الأسود ، قال : ثني ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : يا رسول الله ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : " ذلك العرض يا عائشة ، من نوقش الحساب هلك " .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عثمان بن عمرو وأبو داود ، قالا ثنا أبو عامر الخزاز ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حوسب عذب " ، قالت : فقلت : أليس الله يقول : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : " ذلك العرض يا عائشة ، ومن نوقش الحساب عذب " .

إن قال قائل : وكيف قيل : ( فسوف يحاسب ) ، والمحاسبة لا تكون إلا من اثنين ، والله القائم بأعمالهم ولا أحد له قبل ربه طلبة فيحاسبه ؟ قيل : إن ذلك تقرير من الله للعبد بذنوبه ، وإقرار من العبد بها ، وبما أحصاه كتاب عمله ، فذلك المحاسبة على ما وصفنا ، ولذلك قيل : يحاسب .

حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن أبي يونس القشيري ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " قالت : فقلت : يا رسول الله [ ص: 315 ] ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) فقال : " ذلك العرض ، ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " .

وقوله : ( وينقلب إلى أهله مسرورا ) يقول : وينصرف هذا المحاسب حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وينقلب إلى أهله مسرورا ) قال : إلى أهل أعد الله لهم الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية